للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رمضان فرصة عظيمة للمراجعة والمحاسبة]

وأثر ثالث عظيم لابد من ذكره والتنبيه عليه، وهو فرصة المحاسبة والمراجعة: المواسم هي كذلك، فالناس يريدون أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يراجعوا بعد ذلك مسيرتهم، لكن الذي يقعدهم عن ذلك أمران اثنان: الأول: الانشغال في زحمة الحياة؛ نهار عامل، وليل ساهر، ولقاء بالناس دائم، فلا يفرغ لحظة ليقف مع نفسه لمحاسبتها.

والسبب الثاني: ضعف العزيمة والإرادة، قد يجد الفرصة فيقول: لمَ لا أراجع؟ لكنه يعود مرة أخرى ويسير، يغض بصره ويصم أذنه حتى لا يواجه نفسه؛ لأنه يقول: من الصعب أن أترك هذا، من المستحيل أن أفعل هذا، من غير المتوقع أن أكون كذلك! فكيف تكون آثار رمضان في هذا الجانب؟ أولاً: زحمة الحياة التي نشكو منها.

ففي رمضان فرص كثيرة متاحة للهدوء والسكينة، وفيه فترة من الزمان تستطيع فيها أن تفكر، فهل ثمة من ينشغل في الدقائق القليلة قبل الإفطار من كل يوم؟ أليس هو جالساً في بيته؟ أليس هو فارغاً من شغله؟ أليس جسمه قد استراح؟ أليس هو متهيئاً لإفطاره؟ فهي دقائق قليلة معدودة، لكنها من أعظم الفرص في الهدوء والسكينة، ومن أعظم الفرص في خلو البال وهدوئه، وحينئذ تثور أسئلة المحاسبة، وتبدأ خطوات المراجعة.

وانظر أخي مرة أخرى في رمضان وقيام الليل، ووقت السحر، من عندك يشغلك؟ ومن معك يتحدث إليك؟ إنك وحدك في جوف الليل، بل في ثلثه الأخير، أفليس وقتاً خلصت فيه من ضجيج الحياة وصخبها إلى هدوء الليل وإلى مناجاة الله عز وجل ودعائه؟ أفليس ذلك الوقت مناسباً لجرد الحساب؟ قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيئوا للعرض الأكبر).

وأيضاً: ففي رمضان يسن الاعتكاف، وفيه تقطع الصلة بالخلق؛ لتفرغ نفسك للصلة بالخالق، وتقطع علائق الدنيا لتمد حبال الوصل بالآخرة، أفليست أياماً وليالي مقتطعة من العمر لتكون فرصة لهذه المراجعة والتذكر؟ حري بنا -أيها الإخوة الأحبة- أن ننتهز تلك الفرصة.

وأما العزيمة الضعيفة المهزومة في غير رمضان فهي فتية وقوية وأبية في شهر رمضان، فحينئذ تقول: قد انتصرت فتركت طعامي وشرابي، قد انتصرت فاستطعت أن أغلب شهوتي ولذتي؛ فحينئذ بإذنه جل وعلا تنتصر، فتجدد المسيرة، وتراجع طريقك الذي تسير فيه، وحينئذ تتنزل الخيرات والبركات.

نسأل الله عز وجل أن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام، وأن يجعلنا فيه من المقبولين ومن عتقاء الرحمن الرحيم في هذا الشهر الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.