المعلم الثاني في هذه الصفحة: القوة والشدة: فليس أمر هذا الدين هيناً ليناً، فهو لا يؤخذ بالنوم والكسل، ولا يمكن أن يلتزمه المرء دونما جهد وعمل، ولذلك فإنه في اللحظة الأولى التي كان الوحي فيها غريباً عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان المتصور والمتوقع أن يأتيه في صورة هينة لينة، وبأسلوب تدريجي تقليدي، ولكن الأمر فيه دلالة على عظمة هذه الرسالة، وعلى شدتها، وعلى أنها تحتاج إلى ذلك الجَهد الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم عندما غطه جبريل أول مرة وثاني مرة وثالث مرة؛ حتى يكون هناك استعداد وتأهل وإدراك لعظمة هذه الرسالة كما قال الله عز وجل:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل:٥]، وكما قال الله عز وجل في شأن يحيى عليه السلام:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم:١٢].
ولا بد لنا أن ندرك أن من أهم المعالم الدعوية: أن نبين للناس عظمة هذه الرسالة، وعظمة حملها، وعظمة الأمانة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب:٧٢]، فلا بد من الإعداد منذ البدايات؛ حتى يمكن -بعد ذلك- أن يسير المرء ليبلغ النهايات، أما أن تكون البداية ضعيفة، وأن تكون البداية نوعاً من الترف، أو التأمين في هذه الدنيا، أو التيسير الذي يتعدى حده ليوهم الإنسان أن هذا الدين يمكن أن يكون محققاً لبعض المكاسب الدنيوية، ليأكل، أو ليشرب، أو لينعم، أو ليعيش بعيداً عن أي مهمة ورسالة، أو جهد وعمل، فإن ذلك لا يتفق مع هذه الصورة من صور سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، بل يظهر فيها القوة التي ينبغي أن يؤخذ بها أمر الله عز وجل؛ لأنه أمر مهم عظيم في حياة الإنسان.