[مشاورة المرأة والأخذ برأيها في بعض الأمور]
من صور الحرية التي أعطاها الله عز وجل وأبرزها الإسلام في شخصية المرأة: حرية الرأي، ورجاحة العقل، وحسن التدبير والتصرف في الأمور: فليست المرأة كماً مهملاً كما يدعي بعض الناس، أو كما قد يمارس بعض الناس في بعض الأحوال، فإن صوراً كثيرة وثيقة أبرزت لنا مواقف تدل على ذلك في حياة المرأة المسلمة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحسبنا في ذلك من الأمثلة موقف أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية؛ لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يحلقوا رءوسهم ليرجعوا عن مكة، فشق ذلك على نفوسهم، فدخل رسول الله عليه الصلاة والسلام على أم سلمة مغضباً وهو يقول: هلكوا، فلما سألته أخبرها بأمر امتناعهم، فقالت: يا رسول الله! قد دخل عليهم ما تعلم مما يشق على نفوسهم، فاخرج إليهم ثم اؤمر حالقك أن يحلقك، فإن رأوك فعلت فعلوا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيها الحكيم ومشورتها الصائبة، فخرج فحلق، فابتدر القوم يحلق بعضهم بعضاً حتى سال الدم من شدة ما كانوا يحلقون.
فهذا موقف عظيم من هذه المواقف المهمة، ومواقف أخرى تدل على حسن التدبير واللطف مع مراعاة حق الزوج وطاعته.
هذه أسماء مرة أخرى تعرف طبع الزبير بن العوام رضي الله عنه: (جاء رجل يستأذن أسماء في أن يبيع في ظل دارها، فقالت: إني أخشى إن فعلت ألا يرضى الزبير، ولكن ائتني إذا كان موجوداً فاطلب طلبك، فجاء والزبير موجود فقال: إني أريد أن أبيع في ظل بيتكم، فقالت: أما وجدت في المدينة إلا داري؟! فقال الزبير: وما يمنعك أن تجعليه يكتسب في ظل دارك؟!) كما في صحيح مسلم.
ففي هذه القصة حسن التدبير والتصرف من غير مخالفة، ومن غير نوع من المصادمة والاختلافات التي يجعلها بعض الناس بينهم بحجة وجود أو طلب الاستقلالية، لم يتحكم الرجل؟! لم تتحكم المرأة؟! إذاً سيبقى هناك نزاع دائم في مثل هذه الأمور.
انظر إلى حسن التصرف في قصة أم سليم رضي الله عنها في شأن زواجها وفي شأن وفاة ابنها: لما جاءها أبو طلحة يخطبها قالت: (إنك رجل كفء ولكنك كافر، فلو أسلمت لتزوجتك، فأسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامه مهرها).
وهذه من الصورة التي تدل على رجاحة العقل، فما طلبت مالاً ولا طلبت شيئاً، وإنما جعلت أمر الزواج سبباً أو أسلوباً من أساليب دعوتها إلى الله عز وجل.
كان لـ أم سليم ابن مريض فتوفي وزوجها خارج البيت، فجاء إليها في آخر اليوم يسأل عن ابنه فقالت: هو اليوم أسكن منه مما مضى.
كلمة صحيحة في المعنى فهم منها أن الابن قد سكن وهدأ، وهي تعني بالسكون الموت الذي لم يعد له فيه حراك.
ثم أعدت له طعام العشاء وتصنعت له وتزينت حتى غشيها، فلما فعل ذلك قالت له: إن لنا جيراناً أودعهم بعض الناس وديعة فلما طلبوها منهم أبوا أن يردوها، فأنكر ذلك عليهم، فقالت له بعد ذلك: إن ابنك وديعة الله عندك وإن الله قد استرد وديعته! فتلطفت وأحسنت التصرف وأصابت الرأي، فغضب أبو طلحة فمضى في الصباح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره عن هذه القصة التي فيها بعض التورية، فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم، ودعا لهما بالبركة في ليلتهما تلك، فرزقا عشرة من الأبناء طال عمرهم وحسن عملهم، وكانوا من خيرة أبناء الإسلام.