هنا وقفة نقفها مع المنافقين قبل أحد، انخذل عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه من المنافقين ومن أجابه إلى دعوته، كان عبد الله بن أبي ممن يريدون البقاء في المدينة، فلما خرج الجيش خرج معهم وقبل الوصول إلى المواجهة قال: عصاني وأطاع الولدان والغلمان، فرجع ورجع معه من بين ألف رجل ثلاثمائة رجل.
هذا شأن المنافقين المثبطين، وما أكثرهم في ديار وبلاد ومجتمعات المسلمين، لم لم يقعد في المدينة من أول الأمر؟ أراد أن يثير البلبلة، وأن يشيع روح التثبيط والخذلان، وقد كادت قبيلتان من القبائل أن ترجع معه كما ذكر الله جل وعلا ذلك في القرآن:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[آل عمران:١٢٢].
(لما رجع ابن أبي فلحق بهم عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه وقال لهم: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حل عدوكم؟ فقالوا: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، ولكننا لا نرى أنكم تقاتلون)، وهذا تناقض مع القول الأول، وإرجاف ليس له معنى.
القوم على مشارف المدينة والمعركة ظاهر أنها قائمة، ولكنهم يقولون تلك المقالة، فقال عبد الله رضي الله عنه:(أبعدكم الله يا بعداء، وسيغني الله عنكم نبيه صلى الله عليه وسلم، وقال بعض الأنصار: يا رسول الله! ألا نستعين بحلفائنا من اليهود؟ فقال: إنا لا نستعين بمشرك).
تلك هي الصورة في الاستعداد لكل مواجهة عسكرية أو غير عسكرية، إنه إيمان قوي، إنها نفوس أبية، إنهم صغار يطمحون إلى مطامح الرجال، إنهم رجال ينتدبون إلى مهمات الأعمال، إنهم مجتمع لا يستمعون إلى الإرجاف، ولا يفت في عضدهم خور الخائرين ولا خذلان المخذلين، بل يبقون خلف رسولهم ووراء منهجهم ولنصرة دينهم ولإعلاء كلمة الله عز وجل، لا يأبهون لشيء مطلقاً، تلك هي صورة المجتمع المسلم.
ولنا وقفات أخرى سنرى فيها الوصية الجامعة التي نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بها.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا بهدي وسنة وسيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا بها مستمسكين إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.