نجد كثرة من الشباب يطلقون الأحكام جزافاً، سواء أكانت في الفتيا أم كانت في الحكم على الناس، فأحدهم يحكم على أهل بلد كامل بأنهم مبتدعة، وآخر يحكم على أهل محلة أخرى بأنهم فسقة، وهكذا يطلق الأحكام الدقيقة الخطيرة التي لم يطلب منه أصلاً أن يحكم فيها ولا أن يخوض فيها دون أن يراعي في ذلك حرمة ولا خطورة، فأنت تجد أقل فعل يفعله إنسان ما ينال به عنده حكم الابتداع في أمور عجيبة وغريبة، حتى جعلوا بعض اللبس نوعاً من الابتداع، لا ابتداعاً في الهيئة، بل ابتداع في الدين، حتى جعلوا أحياناً صوراً من القول وطريقة في الهيئة والكلام أو في المشية والحركة جعلوا لها حكماً في الابتداع، وغير ذلك من الأمور الخطيرة المريعة، وأحدهم لا يفقه شيئاً من الأحكام وتراه يدخل في مثل هذه الأمور.
والنقل أيضاً آفة كبرى، ينقل بعضهم عن بعض أموراً عجيبة، وإذا في الأمر خبر ليس له أساس من الصحة، ثم يتصور تصوراً عجيباً وفريداً وغريباً، حتى إن الإنسان ليحار في أولئك القوم الذين ليس لهم هم إلا نقل الكلام والسعي به بين الناس ونشره من غير تثبت ولا روية، وقد أمرهم الله عز وجل أن يتثبتوا، فقال جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات:٦].
وأذكر لذلك مثالاً واقعياً يتعلق بي، فقد جاءني مرة من يذكر لي خبراً فقال: إن فلاناً يقول: إنك ذكرت لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز قولاً في مسألة الأشاعرة وناقشته فيها.
فقلت: لا أعلم هذا الأمر أبداً ولم يقع.
ثم تذكرت مجلساً تحدث فيه أحد الحضور وقال للشيخ: إن هذه المسألة قد كثر فيها اللغط وتكلم فيها بعض من لا علم له، وصار بسببها فتنة، وأنت العالم المقدم المسموع الكلمة، فلو قلت فيها كلمة ونشرتها أو أذعتها أو سجلتها لكان في ذلك إحقاقاً للحق وبياناً للعلم.
ولست أنا الذي تحدثت بها، لكنه رجل كان في ذلك المجلس، ومع ذلك نسب القول إلي، ثم ظننت الأمر عارضاً، وإذا بي كدت أبكي من شدة الضحك وأضحك من شدة البكاء؛ إذ جاءني رجل آخر وقال لي: إن فلاناً يطلب منك صورة من البحث الذي قدمته للشيخ عبد العزيز بن باز عن الأشاعرة، فالكلمة صارت بحثاً مكتوباً تطلب صورة منه ليطلع عليه.
وهكذا تروج الكلمة دون تثبت وينفخ فيها النافخون، حتى إنني سمعت لأحد الرجال في أمر وقع عندنا أنه ينسب فعله إلى فلان من الناس، مع أن فلاناً هذا كان ساعياً في درء هذا الفعل الذي وقع، فهذه أيضاً صورة أخرى.