الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وتعالى، وأستعينه وأستغفره، وأتوب إليه وأتقرب إليه، هو سبحانه وتعالى أهل الحمد والثناء، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، اختاره الله جل وعلا ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين! عباد الله! اتقوا الله حق تقاته، فإن الله جل وعلا قد أمركم بذلك في كتابه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:١٠٢]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:١].
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! حديثنا اليوم عن أوروبا السوداء، وليس في هذا العنوان أي خطأ، إذ تعودنا أن نسمع عن أوروبا البيضاء، وليس في ذلك السواد أو البياض ما يتعلق بالأمور المادية، بل إن هذه الأوصاف اللونية يربطون بها المعاني والمبادئ، فيصفون إفريقيا بالسوداء، ويصفون العالم الإسلامي وبلدان العالم الثالث بالسوداء ليشيروا إلى أنها متخلفة، أو ليبينوا أن فيها أسباب الظلم، وانتهاك حقوق الإنسان، إضافة إلى العنصرية والطبقية، أو إلى الهمجية والعدوانية، وينسبون إلى البياض: التقدم والحضارة، والعدالة الإنسانية، واحترام حقوق الإنسان، وغير ذلك من المعاني الشريفة، والحق أن المسلم ينبغي أن يفرق دائماً بين الأسماء والمسميات، لينظر مدى انطباق الاسم على المسمى، فإن الباطل لا يغيره عن حقيقته أن نلبسه لباس الحق، أو أن نطلق عليه أسماء الحق، فإن ذلك لا يغير من الواقع شيئاً، والعكس صحيح أيضاً، فلا يمكن أن يتغير الحق إن وصف بأوصاف الباطل أو سمي بأسماء باطلة، فإن الحق يستمد شرعيته من مطابقته لما جاء في كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحق أن كثيراً من الوقائع المعاصرة والأحداث المتتابعة كان من منافعها أن أذهبت غشاوة كانت تضلل كثيراً من العيون، وأنارت طريقاً مظلماً كانت تسير فيه كثير من العقول، إذ إن الحقائق المجسدة الواقعة لها من إثبات الحق أو الباطل، ومن توضيح الموقف أكثر مما يقال أو يكتب أو يزور عبر وسائل إعلامية أو ثقافية، ولذلك حديثنا اليوم عن أوروبا السوداء بمبادئها وموازينها الجائرة، ومواقفها الشائنة، وصورتها الحقيقية التي تسترها وراء أسماء لامعة، وأقنعة براقة، تخلب بها العقول، وتسد بها الأنظار، وتغري بها كثيراً من السذج، وتغير بها كثيراً من الأفكار.