أمر آخر: وهو أن قضية الضرب أو الولاية مسبوقة بتشريعات ربانية حكيمة بالغة في تقدير المرأة، معطية للمرأة أعظم الحقوق، وأكثرها طمأنينة لقلبها، وحفظاً لحقها، وحماية لعرضها، وإعلاءً لمنزلتها، يقول الحق سبحانه وتعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:١٩]، والآية أمر رباني قرآني بصيغة الأمر الجازم الذي لا يحتمل تأويلاً، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:١٩]، فإن الله جل وعلا بالتشريع الإسلامي والآيات القرآنية أنزل هذه الأوامر الربانية التي تفرض وتلزم الرجال أن يحسنوا عشرة النساء.
وقد ذكر القرطبي في تفسيره أن الآية مطلقة، {وَعَاشِرُوهُنَّ}[النساء:١٩]، أي: أيها الرجال عاشروا النساء بإطلاق، وإن كان يغلب على الآية تخصيصها بالأزواج في السياق؛ لكنها تشمل عشرة الأم وإحسان عشرتها بالبر والطاعة، وعشرة البنت وإحسان عشرتها بالعطف واللطف والرحمة والرعاية والتربية، وإحسان عشرة الزوجة، وذلك كما ذكر القرطبي في تفسيره: بتوفية حقها من مهرها والنفقة، وأن لا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً، ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: هي المخالطة والممازحة، فأمر الله جل وعلا بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن ليكون حسن الصلة فيما بينهم وصحبتهم على الكمال.
وقال بعضهم في المعاشرة بالمعروف -أي: في تفسيرها-: أن يتصنع لها كما يحب أن تتصنع له، أي: أن يتجمل لها ويريها منه ما يرغبها فيه كما يحب أن يرى منها ما يرغبه فيها.
ويقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية في قوله:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:١٩]: طيبوا أقوالكم لهن، وأحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله؛ لأن الله يقول:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:٢٢٨].
ثم قال: وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم، ويوسعهم النفقة، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة رضي الله عنها فيسبقها وتسبقه، وكان يجلس مع سائر نسائه بعد صلاة العشاء ويتعشى، ثم ينصرف إلى بيت التي هي ليلتها، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أين هذا التشريع المحكم الذي فيه إعزاز المرأة، وحسن الصلة بها، وتقديم حقها، والتلطف معها، واللين معها، من ذلك الجانب الذي يذكرونه بمعزل عن هذا كأنما يذكرون شقاً وينسون شقاً؟! كما قال قائلهم: ما قال ربك ويل للألى سكروا بل قال ربك ويل للمصلينا فقد ذكر {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}[الماعون:٤] ولم يتم الآية.
فالذي شرع القوامة شرع قبل ذلك أمراً من الله جل وعلا للرجال بأن يحسنوا معاشرة النساء، وأن يحافظوا على حقوقهن.