للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر المعاصي والمنكرات على المجتمعات]

إن الخلل إذا وقع والمعاصي إذا انتشرت والفسق إذا عم، تكون عاقبته وخيمة، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥].

وفي حديث أم المؤمنين زينب رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج قدر هذا، وحلق بين السبابة والإبهام، فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)، وقد كثر -والله- الخبث وقل من ينكره، بل قل في الناس أحياناً من يدركه ويشعر به.

إن مأساتنا عظيمة، وإن الخطر بنا محدق؛ لأنه في أعماق نفوسنا وقلوبنا، والنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا فقال: (ولكن من رضي وتابع)، فكم من أمور منكرة قد رضينا بها أو ألفناها أو غضضنا عنها طرفنا، وصممنا عنها آذاننا، ولم ننطق بشيء يحذر منها أو ينبه عليها، بل إن قلوبنا في كثير من الأحوال لم تعد تنقبض ولم تعد تغتم بكثرة تلك المنكرات، وربما فشا ذلك في معظم مجتمعات المسلمين إلا ما رحم الله.

إن كثيراً من وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية تطالعنا صباح مساء بما يخالف هذه الوصية تماماً، فإنها لا تدعو إلى صبر ولا إلى يقين ولا إلى جد ولا إلى نشاط، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية: (فعليكم بالصبر واليقين والجد والنشاط) أين نحن من هذا الجد والنشاط ونحن نتابع موسماً رياضياً الأول يدخل عليه الثاني ويتبعه الثالث، وقنواتنا العربية اليوم لم تقصر، فهي لم تترك بقعة في العالم إلا نقلت ألعابها وترهاتها حتى لا يفوتنا شيء من ذلك، كأنه قد فرغت أوقاتنا وانتهت مهماتنا وصلحت أحوالنا وقويت أمتنا وانتصرت جيوشنا، فلم يعد لنا هم إلا أن نتابع هذا المسلسل أو تلك المباراة أو تلك المسابقة، أو اتصل على ذلك الرقم أو افعل كذا وكذا، في نوع من تتفيه العقول وتسفيهها، وشغل الأمة ورجالاتها فضلاً عن شبابها ونسائها بهذه الأمور السخيفة العارضة، حتى يصل الخور إلى القلوب والنفوس فتركن إلى عدوها وتهزم قبل أن تأتي المعارك.

ولذلك كم من هزيمة وقعت للنفوس والقلوب، بل نحن اليوم نرى من أبناء جلدتنا من يتكلمون بألسنتنا وهم يجوسون خلال ديارنا ويقولونا كلاماً هو أشد وقعاً وأظهر ضرراً مما يقوله أعداؤنا فيما يفت في عضدنا، وفيما يسكننا ويركعنا ويذلنا لأعدائنا، والمؤامرات اليوم لا تخفى على أحد، ولم يعد أحد يجهل اليوم المؤامرات الكبرى التي تحيط بأمتنا الإسلامية.

وكما قلت: قد غزيت ديارها واستبيحت دماؤها وانتهكت أعراضها وسلبت مقدساتها وفعل بها ما فعل، وهي ما تزال ترقص وتغني، وما تزال تقول أموراً عجيبة في شأن أعدائها، نسأل الله عز وجل السلامة.