فهذان هما التابعيان الجليلان: مسروق والأسود جاءا إلى عائشة رضي الله عنها ليسألاها عن المباشرة والقبلة للصائم، فلما جلسا إليها خجلا منها، ثم قاما من مجلسهما ومضيا، وانصرفا حياءً أن يسألا عائشة رضي الله عنها رغم أن المسألة علمية، فلما مضيا قليلاً رجع أحدهما إلى الآخر وقال: جئنا لنسأل عن أمر من أمر الدين ثم أرجعنا الحياء، فعادا مرة أخرى إلى عائشة رضي الله عنها وقالا لها: يا عائشة إنا أتينا نسألك عن شيء فاستحيينا منك، فقالت: سلوا، وفي رواية أن هذه الواقعة -كما هي في مسند الإمام أحمد - وقعت لـ أبي موسى الأشعري فقالت له:(سل ما شئت فإنما أنا أمك) فسألوا حينئذٍ وأجيبوا.
لكن انظروا إلى هذا الحياء الذي جمل الأئمة والعلماء! والذي صبغ الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم.
وأم سلمة رضي الله عنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من الأنصار لم يكن للمهاجرين بها عهد، كما ذكر بعض الصحابة، فقالت:(يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق؛ فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم إذا هي رأت الماء، فقالت: أم سلمة رضي الله عنها: لقد فضحت النساء) أي: أنك جئت بسؤال واضح مباشر، كأنها رأت في نفسها أن مثل هذا قد لا يسأل عنه بمثل هذه المواجهة، وإن كان تقديم الصحابية أيضاً يدل على حيائها وأدبها، عندما قالت:(يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت).