وهنا ننظر إلى التشريع الحكيم في ديننا العظيم، وفي هدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فكل جارحة من الجوارح وكل عمل من الأعمال يعلق القلب بهذه الفاحشة الكبيرة ورد النهي عنه، وجاء المنع به؛ لأن غير ذلك يعد غير قابل للتطبيق، فلو كنت قد فتحت الأبواب والنوافذ على مصراعيها فلابد أن تدخل إليك القاذورات من كل جانب، فإن أردت الحفظ والصيانة، وإن أردت الوقاية والحماية فلابد أن تغلق الأبواب، وذلك هو ما وردت به الآيات، كقوله عز وجل:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}[النور:٣٠] وجاء الأمر كذلك للنساء في قوله سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}[النور:٣١]، وورد الحديث كذلك في سنن الترمذي بسند حسن عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:(يا علي! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) وعندما سأل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة أو الفجاءة قال: (اصرف بصرك) رواه النسائي.
وكذلك وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن هذا النظر وما يؤدي به إلى أمور من العظائم والمحرمات، وأكبرها وأبشعها وأقبحها الوقوع في فاحشة الزنا.
ونحن اليوم نرى واقعاً لا يتفق مع هذا من وجوه عدة، وأخطرها وأعظمها تحليل الحرام، فإن كثيرين من الناس اليوم لا يرون النظر إلى العورات محرماً، بل ويطلقون عبارات تدل على جواز مثل هذا وتهوينه في النفوس والقلوب، فمن قائل: العين بحر.
أي: لا ساحل لها تنظر متى شاءت وكيفما شاءت، ومن قائل: النظر إلى الجمال عبادة، وهو معنىً قبيح من يقصدونه في النظر إلى العورات والمحرمات، وجعلوا تلك المحرمات عبادات، ومن جهة ثانية وجود وكشف العورات، حتى إن من يريد أن يغض بصره يجد عناءً ومشقة، حيث تفجؤك العورات المكشوفة في الطرقات والأسواق، بل وفي المعاهد والجامعات، وتفجأك العورات المكشوفة المثيرة على الشاشات، وعلى الصفحات؛ إذ لا تكاد ترى اليوم مجلة -وإن قالت: إنها علمية أو ثقافية- إلا وفي صدرها أو في صفحاتها الكبرى داخلية أو خارجية صوراً للنساء باديات الشعور أو النحور أو غير ذلك، وهذا من بعد يجعل قلب الإنسان إذا دخل في هذا الميدان يعلق، فإن النظرة إن لم تصرفها أثرت في القلب فصار يطلبها ويكررها، ويجيل النظر بحثاًَ عنها، كما قال الشاعر: وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر لأن الإنسان إذا فطم نفسه فطمت، وإذا علقها بما تحبه من الشهوات وما تميل إليه من الملذات تعلقت وأبت أن تفطم.