قد يقول القائلون -وهذا يقال الآن- هؤلاء المسلمون المؤمنون ما بالهم لا ينصرون هؤلاء الكافرون المعتدون ما بالهم يسيطرون ويمد لهم في أسباب العدوان أو أسباب القوة والهيمنة والسيطرة؟! كأن بعض الناس ربما يخالط عقله ويخامر نفسه شيء من الاضطراب والحيرة والشك أو التبديل والتغيير، والله عز وجل يقول على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام:{مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ}[الأنعام:٥٧]، أي: إن كانت عندكم أفكار قد اضطركم إليها أو قذف بها إليكم واقع معين؛ فإن الثوابت هي التي تحكم عليه والتي تضبطه.
وقد جاء أن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام:(ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟) وقد بلغ الأمر مبلغه في البلاء والإيذاء الذي حل به وببعض الصحابة رضوان الله عليهم؛ فأخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام بحال من كان قبلهم ممن تعرضوا للعذاب الشديد، ثم قال عليه الصلاة والسلام:(والله ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون)، لم يجبهم إلى عواطفهم، ولم يوافقهم على ضرورتهم، وإن كان يدعو لهم عليه الصلاة والسلام، لكن المنهج واضح، والرؤية جلية ليس فيها غبش، وليس في أجزائها شيء من الاضطراب مطلقاً.
ولذلك نحن لن نؤمن أبداً بالديمقراطية الغربية التي يبشرون بها، ولن نغير أبداً في أسس بناء حياتنا الاجتماعية القائمة على كتاب الله وسنة رسوله لنوافق ما يقولونه من أفكار في تحرير الشعوب، أو حقوق الإنسان، أو حرية المرأة على مناهجهم المختلة، وتصوراتهم الفاسدة، ومناهجهم الزائغة؛ لأننا لسنا في شك من ديننا، بل نحن على بصيرة.
وهذا أمر مهم: فإن الأمن الفكري والثقافي هو صمام الأمان الأول، وخط الدفاع الذي إذا سقط كان الاضطراب فيما جاء بعده كما نرى ممن يتقاذفون هذه المقالات، ويروجون هذه الشائعات، ويزينون هذه المفتريات والمبتدعات؛ لأنهم ليسوا على بينة من أمرهم، كما قال الله عز وجل هنا:{مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}[الأنعام:٥٧]، وكما قلت: ليس حديثنا مستفيضاً في كل نقطة، وإنما هي ومضات.