التذكر والتدبر كم نحن في حاجة إليهما! كم هي شواغل الدنيا التي جعلت قلوبنا غافلة لاهية ساهية لا تكاد تدكر ولا تعتبر! {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤]، فنحن في هذه العبادة خير منا -بحمد الله- فيما قبلها؛ لأننا نقرأ القرآن كثيراً، ونجتهد في تدبره؛ لأن كثرة القراءة ملجئة إلى ذلك، نعتكف فلا يكون لنا وقت إلا وقت العبادة، فما نزال إما نصلي وإما نقرأ، وإما نتذكر أو نعتبر، فكل ذلك يعين على هذا، ونحن نعظم صلتنا بكتاب الله سبحانه وتعالى بوجوه كثيرة، منها الحفظ، والمراجعة والتلاوة وقراءة التفسير، أو سماع دروس العلم أو المواعظ، كلها تتصل بهذا المعنى فتحيي موات القلوب بإذن الله، وصدق الله تعالى حين قال:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:٤٦]، وتأمل قول الله عز وجل في شأن المعرضين الذين لا تنتفع قلوبهم بذكرى:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأنبياء:٢]، فكم نحن نلعب! وكم نلهو! وكم نشتغل بأمور لعلي أوجز بعضاً منها فيما يأتي! نحن نجعل قلوبنا في غفلة وسهو ولهو ولغو لا ينبغي أن تكون عليه، وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى بحديثه العظيم الذي رواه أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال:(ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه)، ولذلك نحتاج إلى هذا المعنى العظيم وكل هذه المعاني، ويضاف إليها الطمأنينة والسكينة، فهي من آثار هذه العبادة؛ لأن كثيراً من تلك المعاني التي تحيي القلوب وتبث فيها هذه الخيرات مقرونة بالعبادات والطاعات، والإقبال على الله الذي نشهده في هذا الشهر:{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨] ونحن نذكر الله عز وجل.