للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأحكام التشريعية الإسلامية]

العامل الثاني: التشريع.

أي: الأحكام التشريعية التي جاء بها الإسلام، يقول الحق عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]، والأحكام التي جاءت في الإسلام تتفق مع فطرة الإنسان، وتحقق المصالح، وتمنع المفاسد، وهي تحقق أعلى المصالح، وتدرأ أقل المفاسد فضلاً عما هو أكثر منها، ويمكن أن نسلط الضوء على هذه التشريعات في جوانب ثلاثة: الجانب الأول: الجانب الوقائي، وهو مهم، أي: التشريعات الوقائية، فإن الإسلام حطم كل الدواعي والطرق والوسائل والمرغبات والمقربات من الحرام ومما يجرح العفة ويضيعها، فحرم النظر إلى غير المحارم، كما في قول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:٣٠] وكذلك: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:٣١] والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس)، وهذا النظر قد حرمه الله عز وجل.

وحاسة السمع -أيضاً- لها تأثير، فجاء التشريع يضبط أمرها، فـ بشار بن برد كان من فحول الشعراء وكان أعمى، فكان يقول أبيات الغزل والحب والعشق والغرام، فسئل: كيف يصف هذه الأوصاف وهو كفيف البصر؟ فقال: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحياناً ولذلك قال الله عز وجل في شأن نساء المؤمنين وفي شأن أمهات المؤمنين على وجه الخصوص: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢] نهاهن عن قول متكسر متميع له وقع في والسمع أثر في القلب، وإيقاد للشهوة وميل إلى المحرم.

وحاسة الشم -أيضاً- ورد فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة خرجت متعطرة فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

فهذا -أيضاً- لأن له تأثيراً، بل الصوت قد جاء النهي عنه في قول الله عز وجل: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} [النور:٣١] حتى لا يسمع ذلك الصوت الذي قد يكون في الغالب يلفت النظر أو يدعو إلى الفتنة ونحو ذلك.

ثم اللمس، فإنه قد ورد النهي عن مصافحة الرجال للنساء، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء وما مست كفه كف امرأة لا تحل له قط.

وهذا كله من أسباب الوقاية والطهر، فكل الحواس لها أثر على القلب، فالعين تنظر، لكن القلب يتأثر، والأذن تسمع، والقلب يتغير، والأنف يشم، والقلب يتأثر، فإذا وضعت هذه الحدود والحواجز التي هي –كما يقال- خطوط الدفاع الأولى والثانية والثالثة فإنها صمامات الأمان، فمن أخذ بها وقي بإذن الله عز وجل.

ومن التشريعات الوقائية -أيضاً- التحريم المطلق للخلوة، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء.

قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت).

وكذلك النهي عن الاختلاط بما يحمله من المعاني التي تقع بها كثير من أسباب الفساد.

ومن الأحكام -أيضاً- في باب النساء أنه إذا خرجت المرأة لحاجة أو إذا اضطرت إلى أن تقضي بعض أمورها فإنها مدعوة بحكم الله عز وجل أن تتحجب، فهذا الحجاب -أيضاً- هو تشريع من تشريعات الوقاية والأمن والسلامة، وكما يقولون: درهم وقاية خير من قنطار علاج.

ودائماً يقولون: السلامة قبل وقوع المصيبة.

لأن العلاج بعد المرض أصعب من فعل بعض الأسباب قبل المرض، ولذلك يدعون إلى تطعيم الأطفال، وهذه التطعيمات هي تطعيمات وقائية قبل حصول المرض، حتى يكون الجسم مستعداً، فإذا جاء المرض كان عنده أهبة الاستعداد لمواجهته وصده بإذن الله عز وجل، فهذه -أيضاً- تشريعات وقائية، وقد جاء الأمر للنساء بأن يكن غير مختلطات بالرجال، كما قال عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣].

الجانب الثاني: جانب التشريعات الاجتماعية.

فإن الإسلام -أيضاً- جاء بتشريعات اجتماعية تحفظ للمجتمع وعيه وأمنه وسلامته وصيانته بإذن الله عز وجل.

وأبرز هذه التشريعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليس هناك عبارة (ليس لي تدخل) في الإسلام، ولا يوجد هذا الأمر، بل كل إنسان مسئول، وكل مطالب بأن يقول كلمة الحق، وأن يؤدي أمانة النصيحة؛ لأن المرأة المتبرجة أو الرجل الذي يؤذي النساء في المجتمع لا يضر نفسه، ولا يضر هذه المرأة وحدها، وإنما يعود الأمر على الجميع، فالمضرة تلحقني وتلحقك، وتلحق الثاني والثالث، فإذا لم يقم الناس بهذا الأمر وهذا التشريع الاجتماعي فإن الآثار الوخيمة تتسع حتى تشمل كل أحد، ولا ينجو منها بعد ذلك إلا من رحم الله، ولا ينجو منها الناجي إلا بصعوبة ومشقة وعناء، وإن عالم اليوم نعرف ونرى ونحس ونلمس أنه يغزو الصالحين في عقر بيوتهم، ويغزوهم وهم في الشوارع سائرون لقضاء حوائجهم، أو ذاهبون إلى الأسواق لشراء حاجاتهم، وفي أي جانب من الجوانب أصبح الغزو يأتيك يمنة ويسرة عبر الفضاء ومن تحت الأرجل، عبر الأذن سماعاً، وعبر العين رؤية، وعبر أمور كثيرة متنوعة متعددة؛ لأن الناس غضوا الطرف أولاً، وأمرَّوا المنكر والوسيلة إليه حتى صار أكبر منه، ثم بعد ذلك تفاقم الأمر واتسع الخرق على الراقع.

ومن الآداب التشريعية الاجتماعية التي يتساهل الناس ويترخصون فيها الاستئذان، وتربية الأطفال وتعويدهم على هذه الأمور، والتفريق بين الإخوة من الذكور والإناث في المضاجع، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (وفرقوا بينهم في المضاجع) وذلك إذا بلغوا العاشرة، فهذه الأمور كلها من التشريعات المهمة في هذا الجانب.

الجانب الثالث: التشريعات العقابية، فمن وقع في هذه الحوادث وتلك الأدواء ولم يستمع للنصيحة ثم تجاوز الحد ووقع في المحرم فتردعه التشريعات العقابية والحدود على اختلاف أنواعها، فالرجم للزاني المحصن، والجلد للزاني غير المحصن، وهكذا كل الأحكام المتعلقة بهذه النواحي لتكون رادعاً، ولتكون عبرة لكل من تسول له نفسه أو يدعوه شيطانه إلى ارتكاب المعصية أو خرق حاجز العفة في المجتمع.