للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القصور في العلم]

أول هذه الأسباب: القصور في العلم.

فمشكلة الجهل هي آفة الآفات، ومن الجهل جهل بسيط وجهل مركب كما نعلم، والجهل الذي نقصده غياب كثير من الأصول العلمية المهمة، وعدم معرفة النصوص الشرعية في كثير من الميادين الحياتية والمسائل الآنية المستجدة، وعدم معرفة القواعد الشرعية التي هي خلاصة استقراء للأدلة النصية، وعدم معرفة المقاصد الشرعية التي هي خلاصة غايات هذا الدين وأهدافه، وعدم معرفة السنن الربانية في طبيعة هذه الحياة وطبيعة قيام الدول وسقوطها، وطبيعة مآل المتقين وعاقبة المكذبين والكافرين، وهناك قضايا كثيرة لابد من أن ندركها، وأن نعرف أنها سنن ماضية لا تتبدل، كما قال تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر:٤٣]، فلابد أن يكون عندنا يقين ومعرفة وتشرب لهذه المعاني، حتى لا نندفع مع العاطفة بعيداً عن هذه الأصول العلمية المهمة، وعندما نتلوا قول الله سبحانه وتعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧]، وقوله: {إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:٤٩]، وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:٦٠] نجد أن هذه المعاني المهمة قد طبقها النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم، فعلى سبيل المثال: في سنن أبي داود أنه كان نفر من الصحابة في سفر، وشج أحدهم، فأصابته جنابة.

فاستفتى أصحابه فقالوا له: لابد أن تغتسل، مع أن الجو بارد والرجل به جرح، ولكنهم قالوا: لابد أن تغتسل.

فاغتسل فمات، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال)، فكم من القضايا الضخمة الهائلة والمسائل الكبيرة التي من المفترض أن لا يتكلم فيها إلا أكابر العلماء مجتمعين، وإذا بك تجد ذلك الشاب في مقتبل العمر يتناول الحديث فيها، ويفتي فيها، ويعطي القول الحاسم والجاد، ويرفض كل ما يخالف رأيه وقوله! وهذا في غالب الأحوال ليس عن أساس علمي، وإنما هو عن اندفاعات عاطفية وخليط ومزيد من هذه التجاذبات التي تجتمع لذا أو ذاك.