الوعي الذي نريد أن يرسخ في أذهان المسلمين من هذه الأحداث يقودنا إلى آفاق واسعة، فالأعداء لم يعد لهم ستار يستر عوراتهم، ولا شعار يغطي على أخطائهم، نريد أن يعرف المسلمون حقيقة أعدائهم بكل تفصيلها، ولئن غفلوا عن آيات القرآن التي أنزلها الله عز وجل لتعلمهم، فليتعظوا وليعتبروا بالأحداث التي تواجههم.
انظر إلى حقيقة الأعداء في ولائهم وتجمعهم، أيقاتل صرب البوسنة وحدهم؟ قد جاء إليهم إخوانهم في الملة والدين ولاءً ونصرةً متطوعين من صربيا الكبرى، ومن (يوغوسلافيا) العظمى، ومن بلاد الروس.
إنهم متوالون ومتجمعون، والله عز وجل قد نبأنا وعلمنا، ولكن غفلنا وجهلنا:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}[الأنفال:٧٣](وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، وإن لم تكونوا مثلهم، وإن لم تفعلوا فعلهم:(إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وأي فتنة أعظم مما نرى؟! وأي فساد أشد مما نسمع ونرى؟! وانظر إلى حقيقة الأعداء في تواطئهم وتآمرهم! أين القرارات؟ وأين نتائج المؤتمرات؟ وأين هيبة المنظمات؟ وأين سمعة الدول الكبرى والعظمى؟ أين كل ذلك؟ إنه يمرغ تحت أقدام ثلة وحفنة من جنود الصرب، أفترى القوي لا يستطيع أن يردع أمثال هؤلاء؟! أفترى العالم شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، أسلحةً تدك أقصى الأرض وأقصاها الآخر تعجز أن تؤدب مثل هذه الحفنة؟! إن الجواب لا يخفى على لبيب عاقل، إنه ذلك التواطؤ والتآمر الذي يبصرنا بحقيقة الأعداء، واحد يضرب، والثاني يشجب، والثالث يؤيد، والرابع يخالف، وتمضي القضية والنار تزداد اشتعالاً، والحرب تزداد نكالاً، وهذا التآمر والتواطؤ جزء من حقيقة الأعداء التي بصرنا بها كتاب ربنا، ونطق بها تاريخنا.
وانظر إلى حقيقة الأعداء في إجرامهم وبغيهم، أين حقوق الإنسان؟! أين أنصار المرأة؟! أين حماة الطفولة؟! أين الذين ملئوا العالم ضجيجاً وعجيجاً وهم ينادون بهذه المبادئ الإنسانية، وبهذه المعاني التي خدعوا بها كثيراً من العقول؟! فهل ترى بغياً أشد من هذا البغي؟! وهل ترى إجراماً أفظع من هذا الإجرام؟! وهل ترى انسلاخاً من الإنسانية أشد وأظهر وأوضح وأفضح من هذا الانسلاخ؟! قوم يقتلون الصغار قبل الكبار، يسملون العيون، ويبقرون البطون، ويغتصبون الحرائر، ويفعلون الأفاعيل التي لا يفعلها حتى أخس الحيوانات وأشدها فتكاً.
قوم قد ظهر بالدليل القاطع والبرهان الساطع أنهم هم المجرمون والإرهابيون، والذين تلصق بهم كل نقيصة تتبرأ منها الإنسانية: وحشية كشف الزمان حجابها لا بل أشد من الوحوش وأظلم الوحش يفتك جائعاً ويعف عن فتكاته إذ ما يعض ويطعم الوحش إذا أكل قام عن فريسته، وأولئك يمثلون بالجثث التي قد فارقت أرواحها أجسادها! إنهم قوم قد ظهر بغيهم وإجرامهم، فهل نحن في شك بعد ذلك من هذه الحقائق الواضحة البينة؟