المال الذي آتاه الله للخلق لم يؤتهم إياه ليكون عبثاً، وليكون نزوات طائشة، وليكون تبديداً للثروة في الحرام أو في غيرما مصلحة، كما بين ذلك قول الحق جل وعلا: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:٢٧] إذا تأملنا هذه اللمحات والومضات، عرفنا ما نحن محتاجون إليه من إصلاح اقتصادي في واقع أمتنا الإسلامية، وقد فشا فيها الربا، واستعلن فيها كثيراً بصور مختلفة متنوعة مبهرجة ومزيفة، وانتشرت صور القمار والميسر عبر الدعايات والإعلانات والمسابقات وغيرها، وكما نرى كذلك صوراً من الإسراف والتبذير يندى لها الجبين، وتضيع بها مقومات الأمة، ولا يرى فيها حينئذ مراعاة للمصالح ولا للآداب ولا للأعراف العامة في المجتمعات والأمم، وكل هذه الصور تناقض ما أشرنا إليه مما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم انظر إلى الواقع يحكي لك ذلك، ألا ترون اليوم كيف يبحث الناس بحمد الله جل وعلا عن المعاملات الإسلامية، فإذا أرادوا معاملة بنكية بحثوا عن البنوك والمصارف التي تقوم على أسس شرعية، وإذا أرادوا التأمين بحثوا كذلك عن المباح وهكذا عظم عند الناس اليوم بحمده جلا وعلا حرصهم على أن يكون تعاملهم المالي وميدانهم ومجالهم الاقتصادي مراعياً لتلك الأحكام، لكننا نستمع اليوم إلى إصلاح اقتصادي من لون آخر، مروج على مستوى الأمة، بما يسمى: الاقتصاد المفتوح أو الحر الذي يقول لك: إنه ليس هناك شيء يمنع بيعه أو تداوله، لا تقل لي: خمر محرم، ولا تقل لي: أفلام إباحية ممنوعة غير مشروعة، ولا تقل هذا أو ذاك، فإن السوق هو الذي يسير الأمر، وإن الاقتصاد الحر المفتوح والتجارة العالمية الدولية تطرق أبوابك، ولا بد أنها آتية إليك.
وتأتينا صور أخرى اقتصادية يزعم أهلها أنها لتنمية الشعوب ولرفع المستوى الاقتصادي، وهي في حقيقة الأمر تصب المال من جيوب المسلمين ومن ديارهم إلى الكيان الصهيوني واليهود، عبر اتفاقيات لا يمرر لها طريق ولا يمهد لها تيسير ولا تذلل لها عقبات إلا من خلال ذلك الطابع اليهودي، وذلك باسم تنمية اقتصادية وارتفاع لمستوى المعيشة؛ وذلك حتى تدمن الأمة التعامل مع أعدائها، وبذل أموالها لمن يقتلها دون أن ترى في ذلك حرج، بل دون أن تنتبه إلى ذلك، فتأتينا التجارة والبضاعة من بلد عربي إسلامي ممهورة بمهرها ومختومة بختمها، وأشتريها وأدفع المال وإذا بالحصة الكبرى منه ليست إلا تمويلاً لذلك الكيان الغاصب الذي يعتدي كل يوم على حرماتنا ومقدساتنا وديننا، فضلاً عن ديارنا وإخواننا وأعراضنا، ومع ذلك يقولون: هذا هو التطور الاقتصادي، وهذا هو الإصلاح الذي تدعو إليه الأمم والدول العظمى والكبرى التي تزعم أنها تقدم لأممنا ولمجتمعاتنا الخير، وتعلمها كيف تصلح أحوالها، وكيف تسير على منهاج مستقيم يفضي بها إلى رغد العيش وسعة الحياة، وإلى انتظام الأمور كما يزعمون! ومن هنا لا بد للمؤمن من وقفة خطيرة يتأمل فيها تحقيقه لدينه وإيمانه، فالإيمان لا يتحقق بمجرد النطق، ولا بمجرد الإقرار، ولا حتى بمجرد الأعمال من العبادات والشرائع، بل الإيمان امتثال ويقين في كل حكم وفي كل جانب وميدان ومجال فيه لله عز وجل حكم، ولرسوله صلى الله عليه وسلم هدي، فمن أعرض عنه وخالفه فذلك نقص في إيمانه، وخلل في اعتقاده، وتشوه في حسن تصور إسلامه، ينبغي أن يفطن له، سيما ونحن اليوم نعلم ونوقن أن أمتنا مستهدفة في كل المجالات والمسارات.
يراد أن تخترق اقتصادياً حتى لا تقام لها قائمة، وحتى تصب ثرواتها في جيوب أعدائها في صور مختلفة وأنماط متنوعة، ومن طرق مختلفة، مرة عبر اتفاقيات تجارية، وأخرى عبر اتفاقيات دولية، وثالثة عبر زيارات ومصالح من هنا وهناك، وذلك كله يصب في مصلحة أعداء الأمة، لا في مصلحة أبنائها.