للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفوائد المتعلقة بتاريخ الطبري]

لقد بدأ الطبري فيما يتعلق بتاريخه من أول خلق العالم، وهذا سار عليه كثير من المؤرخين، حيث صنعوا كما صنع الطبري.

بدأ الطبري بتعريف الزمان، ومتى بداية الزمان، وبعد ذلك ذكر الروايات التي وردت في أن أول ما خَلَقَ الله عز وجل القلم، فقال له: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) ثم ذكر بعد ذلك ما يتعلق بخلق السماوات والأرض، ثم خلق آدم، وقصة إبليس، والرسل والأنبياء من بعد ذلك.

والطبري رحمة الله عليه كان إماماً مفسراً محدثاً ومؤرخاً، وكانت شهرته في التفسير والحديث أكثر من التاريخ.

وهنا ملاحظة مهمة وهي: أن كثيراً من العلماء من المحدثين والمفسرين والفقهاء ممن لهم عناية بالتاريخ اشتهروا في مجالات علومهم التي عرفوا بها، وأهملت الناحية التاريخية في مؤلفاتهم وفي تراثهم وإنتاجهم، فجاء بعض المعتنين بالتاريخ من المتأخرين، وكتبوا في إبراز الناحية التاريخية عند هؤلاء، على سبيل المثال: (ابن عبد البر وجهوده التاريخية) (ابن حزم وجهوده في التاريخ) وغيرهما، فهؤلاء لم يشتهروا أساساً كمؤرخين، وإنما لهم شهرة في العلوم الأخرى، فأبرز بعض المتأخرين هذا الجانب عندهم.

الطبري هو من أعيان علماء المسلمين، ومن المتقدمين في القرن الثالث الهجري، وتوفي في العقد الأول من القرن الرابع كما مر بنا، وقد ألف كتابه التاريخ بعد التفسير؛ لأنه أحال في التاريخ إلى بعض المواطن في التفسير، فلما جاء عند خلق آدم، قال: لقد أجملت ذلك في التفسير؛ لأنه ليس ذلك موضعه، ثم أفاض بعد ذلك في خلق آدم وقصة إبليس وكذا.

كأنه يشير أنه لم يرد أن يفصل هذا التفصيل في التفسير؛ لأنه لا يليق به فجعله في التاريخ.

وقد ظل الطبري يملي كتابه من سنة (٢٩٠هـ) حتى سنة (٣٠٢هـ) يعني: لمدة اثنتي عشرة سنة كما ذكر المؤرخون في ترجمته.

ومن الملاحظات المهمة التي تلفت النظر: أن كثيراً من كتب التاريخ الإسلامي المتقدمة أول من عني بها ونشرها هم المستشرقون، فكتب التاريخ في طبعاتها الأولى من نتاج المستشرقين، ولعل سائلاً يسأل: لماذا؟! أقول: هناك أسباب بعضها جوهرية: أولاً: أن كثيراً من مخطوطات هذه الكتب هي في بلاد الغرب، سرقوها ونهبوها عندما دخلوا بلاد المسلمين، لاسيما لما دخلوا الأندلس، ولما دخلوا مصر، ولما دخلوا بلاد الشام.

ثانياً: أن الطباعة بدأت عندهم قبلنا بكثير، ومعلوم أن الطباعة في العالم الإسلامي جاءت بعدهم بفترة لا بأس بها، وأن أول مطبعة دخلت إلى العالم الإسلامي هي التي دخلت إلى مصر على يد نابليون بونابرت في أواخر القرن التاسع عشر، فهذا سبب تأخر الطباعة عندنا، فوجود المطابع عندهم جعلهم يتقدمون علينا في هذا الباب.

ثالثاً: أن المستشرقين في بداية هذا القرن لم تتأسس علومهم إلا على التراث الإسلامي الحضاري في بلاد الأندلس وغيرها، فكان كثير منهم قد تعلم العربية؛ ليقرءوا كتب المسلمين ككتب الطب وكتب التاريخ وغيرها من الكتب، فهم قد أسسوا ثقافتهم وعلومهم في كثير منها على كتب المسلمين، وبالتالي كانت عنايتهم بها، ومن هنا كانت أول طبعة لتاريخ الطبري عام (١٨٧٦م) على يد المستشرق دي خويه.

قال الطبري في مقدمته: وأنا ذاكر في كتابي هذا من ملوك كل زمان، من لدن ابتداء ربنا جل جلاله خلق خلقه إلى حال فنائهم من انتهى إلينا خبره ممن ابتدأه الله تعالى بآلائه ونعمه فشكر نعمه، من رسول له مرسل أو ملك مسلط، أو خليفة مستخلف فزاده إلى ما ابتدأه به من نعمه في العاجل نعماً إلخ.

ثم ذكر أنه أرخ بعد ذلك للسنوات، وبدأ بالقول في الزمان، وبدأ بذكر قصة آدم، وقصة نوح عليه السلام، وما ورد في هذه القصص.

ثم أرخ بعد ذلك لتاريخ الفرس وبلاد المشرق التي كانت فيها حضارة قبل مولد النبي عليه الصلاة والسلام.

ثم بدأ بعد ذلك بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، وما ذكر من إرهاصات وقعت أثناء مولده عليه الصلاة والسلام في بلاد كسرى وفي بلاد قيصر، وبعد ذلك بدأ بسرد التاريخ الإسلامي.

تميز الطبري كغيره ممن جاءوا في تلك الفترة أنهم رووا التاريخ بالأسانيد، وبالتحديث والرواية عمن سمعوا منه إلى منتهى أسانيدهم.

الميزة الثانية: أنه كان يجمع كل الروايات في الحادثة الواحدة، وإن اختلفت هذه الروايات.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.