للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحداث الجهاد في أفغانستان وواجبنا تجاهها]

السؤال

نرجو تبشير المسلمين بأخبار المجاهدين الأفغان؟

الجواب

الحق أن هذه التذكرة جيدة، ومناسبة ومهمة في نفس الوقت، وإن كان سبق -بفضل الله وتوفيقه- الحديث في خطبة الجمعة عن هذا الموضوع.

وخلاصة الأمر بالنسبة للأخبار، من ناحية الوقائع: أن الله سبحانه وتعالى يسّر وتفضل على عباده المجاهدين في أرض أفغانستان بأن سهل لهم جملة من الانتصارات المتوالية يوشك إن شاء الله جل وعلا أن تتم بتمام النصر وسقوط الأعداء ودولتهم، واندحار قوّتهم بإذن الله.

فقد استسلمت حامية قندهار، وسقطت كثير من المناطق حول كابل مثل: قندس، ودرديز، وبعض المناطق الأخرى، وسقطت أيضاً قاعدة باجرام، ومطار كابل أيضاً، وكذلك منذ قريباً من ليلتين تقدم المجاهدون واستولوا على منطقة من ضواحي كابل اسمها: خير خان.

والأخبار تذكر أنهم في تقدم مستمر، وأنهم الآن في داخل كابل، وما زالت هناك معارك مستمرة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق وأن يتمم لإخواننا نصرهم.

ألخص ما ذكرته في خطبة الجمعة من الكلام عن واجبنا نحو هذا النصر فأقول: أول واجب: هو الشكر، فقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام لما دخل مكة فاتحاً دخلها وهو مطأطئ رأسه وهو على ظهر دابته شكراً لله سبحانه وتعالى، فإنما النصر من عند الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن نشكر الله -جل وعلا- على هذا الأمر.

الأمر الثاني: أنا نلمح -والله أعلم- أن هذا النصر في هذا الوقت يأتي برداً وسلاماً على عباد الله المؤمنين، إذ إن الهجمة تشتد ضراوتها على المسلمين، والعذاب والابتلاء يُصب عليهم، وحرب الإبادة تضربهم وتحيط بهم في كثير من البلاد، سواء في البوسنة والهرسك أو في غيرها.

أيضاً نجد أن هذا الأمر يحيي الأمل في القلوب، ويفرح المسلمين، وكما يتحدث الناس عن النكبات، وعن الكوارث، والدماء والمصائب المتوالية على الأمة، فكذلك يأذن الله سبحانه وتعالى بأن نتحدث عن فتح وفرج ونصر من الله سبحانه وتعالى!! وأشرت أن في ذلك دروساً عديدة: منها: أن النصر مع الصبر، فلما صبروا وصابروا أكرمهم الله سبحانه وتعالى بهذا النصر، وهذا بسبب الثقة بالله، وبدين الله، وبوعد الله، فلو لم يثقوا لانقطعوا وما صبروا.

كذلك من الدروس: الصورة الواقعية لوحدة المسلمين، إذ انخرط في هذا الجهاد أبناء الإسلام على اختلاف جنسياتهم وبلدانهم في غالب الأحوال، فإن تلك الديار كأنها جامعة للدول الإسلامية، هذا من بلد، وذاك من بلد، وذاك من بلد، ليدللوا على أن الرابطة هي رابطة الإيمان، وأن الذي يجمع الناس هو دين الإسلام.

وأيضاً: بيان أن طريق جني الثمار إنما هو الأعمال لا الأقوال!! وكم قلنا وقال الناس وعقدت المؤتمرات والتوصيات في قضية فلسطين منذ أكثر من أربعين سنة فما حُلّت إلى الآن، والأفغان طال جهادهم، لكن السنوات التي قضوها في ذلك لحل قضيتهم أقل بكثير مما يقضيه الكثير من المسلمين لحل كثير من قضاياهم؛ لأنه ليس هناك سوى أنهم يخططون ويقولون ويعيدون، ولم يتقدموا بخطوات عملية، والله عز وجل يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:١٠٥]، فهذا معنى مهم.

ودورنا يتمثل في أن نبادر -ونستمر- بالإلحاح في الدعاء، وكذلك تقديم البذل والعطاء، لأن بعض الناس يقول: انتهى الأمر فقد انتصروا!! وحتى لو انتصروا، وفتحت البلاد لهم، أليست هناك الحاجة لإقامة دولة؟ أليست هناك مشكلات مترتبة: عمران، وأيتام، ومشكلات أخرى؟ أنت لو أردت أن تقيم مدرسة وأُعطيت المبنى كاملاً، وأُعطيت كل ما يلزم لإقامة المدرسة ستظل أيضاً في حيص بيص حتى تُعان بأمور كثيرة؛ كي تقوم بما عليك، وتستطيع أن تكمل هذا المشروع الصغير، فماذا تقول في مثل هذا الأمر العظيم الكبير؟!! الأمر الثاني: على العلماء والدعاة وأصحاب الكلمة المسموعة أن يبادروا بالزيارة للتهنئة، وأيضاً لإبداء المشورة والرأي، وتأليف القلوب، والتقريب بين وجهات النظر، وإزالة كل أسباب الاختلاف أو تباعد وجهات النظر، وقد كان لتجربة سابقة -في أحداث كونر- أثر بالغ حينما قام بعض العلماء بالزيارة؛ فكان لهم كلمتهم المسموعة وأثرهم الطيب في تأليف القلوب وتحسين الأوضاع، وهذا من أهم الأمور.

الأمر الثالث: أن الدول الإسلامية مطالبة بالتأييد ومدّ يد العون، وسرعة تثبيت هؤلاء المجاهدين؛ ليتمم الله لهم إقامة دولة الإسلام في تلك الديار، والله سبحانه وتعالى نسأل أن يجعل في هذه الأمور كلها خيراً -إن شاء الله- للإسلام والمسلمين.

وهناك من يتساءل عن دور العلماء والدعاة فيما يجري للمسلمين من الابتلاء في بعض الديار الإسلامية، مثل: تونس والجزائر وغيرها، والحق أن مثل هذا الأمر أول ما يجب فيه الحاجة إلى معرفته، وتتبع أخباره، وأن نُحسّ بارتباطنا بأخوة الإسلام والإيمان، فنتفقد أحوال إخواننا ونسمع أخبارهم، ونحن حين نسمع هذه الأخبار فلابد أن نسمع ما يثير الفزع في القلوب، ويدميها حزناً وألماً، ولكن هذا يفيدنا في معرفة ضراوة الأعداء.

ليست المسألة فقط مسألة السجن ولا الضرب، وإنما كل ألوان الفتنة والتعذيب بما لا يتصوره عقل، وهذا ليس بمبالغة، فمن سمع وتتبع فسيجد أموراً لا تخطر على عقول شياطين الجن، ولكن عملها شياطين الإنس من الظلمة والطغاة عليهم من الله ما يستحقون! وواجبنا الدعاء والعطاء، وأن نوطن النفوس على أن تكون أعظم إخلاصاً لله، وقرباً منه سبحانه وتعالى؛ ليكون في ذلك صلاحنا وصلاح إخواننا إن شاء الله.