للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معالم وأمور تتعلق بوجود المرأة القدوة]

ننظر إلى المعالم في تلك المراحل، فنرى أن وجود المرأة القدوة بنتاً وزوجة وأماً يعني وجود هذه القنوات المهمة في تماسك وصلاح وقوة المجتمع المسلم، فليس الأمر مجرد توجيهات أو كلمات عابرة، بل هو صياغة وتأسيس وأخذ بأسباب قيام مجتمع إسلامي صالح نظيف يؤدي مهمته في هذه الحياة وفق أمر الله وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالأمر إذاً هو أبلغ في الأهمية وأعظم في الخطورة، ونعلم جميعاً أن كل فرد منا كان يوماً رضيعاً وربيباً لامرأة غذته بلبانها، وفي نفس الوقت غرست فيه من معاني التربية ما غرست من أمور الخير والصلاح، والأمور التي يحتاج إليها المسلم ويحتاج إليها المجتمع المسلم بوجه عام.

فإذاً الأمر كما قال أمير الشعراء: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق فبإعداد الأم يعد شعب كامل؛ لأننا ندخل في هذه الدوائر من خلال تكوين الأسرة وتربية الذرية.

الأمر الثاني: المرأة أبلغ في التأثير في صفوف النساء، فنحن عندما ننصب القدوات من الرجال فإن هذا لا شك أن له تأثيراً عاماً في المجتمع كله رجالاً ونساءً، ولكن خصوصية وجود المرأة القدوة له تأثير أكثر وأظهر وأشهر في صفوف النساء.

فإذا قلنا للمرأة: إن الرجل مجاهد غاز في سبيل الله قالت: ذاك شأنه وتلك طبيعته.

لكن إن جئنا لها بمثال من امرأة مجاهدة كان ذلك أقوى في التأثير على نفسها، ودفعها إلى أن تكون في مثل هذه المجالات والأعمال والميادين.

والأمر الثالث: أن المرأة في مجمل الأمور أعلم بأحوال النساء من الرجال، فمهما كانت عقول الرجال بليغة ومهما كان علمهم غزير فإن عندهم نقصاً في معرفة أحوال النساء وطبائعهن، ولا يستطيعون أن يكونوا في مجالس النساء وفي مجتمعاتهن ليعرفوا ما قد يكون من خور أو قصور يحتاج إلى توجيه وتنبيه أو إلى إرشاد وتوضيح، ستكون المرأة القدوة حينئذ أقدر على معرفة الداء ووصف الدواء، فهي الخبيرة المعايشة المعاشرة لأولئك النساء.

الأمر الرابع: هو الحاجة العظيمة للمرأة القدوة بسبب تشويه قضايا المرأة في الإسلام، فنحن نعلم أن أكثر مخططات أعداء الإسلام وجل شبهاتهم تنصب في دائرة المرأة والحياة الاجتماعية، مثل دعوى حرية المرأة، ومن نزع الحجاب، ومن الدعوة للاختلاط، ومن صور السفور والعري أو غير ذلك من الأمور، فإذا نظرنا فإنا نجد أن أكثر الشبهات والمغالطات والدعوات المغرضة أنها تنصب في هذا المجال، فلذا وجب أن نوجد من نساء المسلمين من تكون على نموذج يحتذى وقدوة تؤتسى ومعرفة تفند مثل هذه الشبهات، وتدحر مثل هذه المفتريات، لتكون لها دورها بين النساء حتى نصد هذه الغارة وهذه الهجمة الشنيعة الفظيعة التي كما نعلم أنها تعقد لها المؤتمرات وتعقد لها الندوات وتفرغ لها كثير من الطاقات وتبذل فيها الأموال وتطبع فيها المطبوعات لغرض هذا التأثير السيئ في مفاهيم المرأة المسلمة، أو المفاهيم المتصلة بالمرأة والأسرة والتربية في ميدان الإسلام.

وأخيراً وليس آخراً فحاجتنا لهذا الموضوع وأهميته كبيرة؛ لأنه قد برز في مجتمعات المسلمين في مجال المرأة قدوات سيئة، واليوم إذا التفتنا لنرى الأسماء اللامعة ولنرى من يتصدرن الأقوال على صحف الجرائد أو المجلات أو من يذكرن بأنهن الرائدات لوجدنا ألسنة شانئة ممسوخة ليست بالأمثلة التي تمثل الإسلام، بل ربما لا تنتسب إليه إلا انتساب الاسم والرسم دون الحقيقة والجوهر، ولذلك كان الأمر في هذا الجانب خطيراً مهماً، خاصة إذا كانت النساء من أمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا وأخواتنا.

وهناك نماذج وأمثلة في مجالات متعددة للقدوة في حياة المرأة المسلمة، نبغي بذلك أن نؤكد وجود هذه المجالات، وأن نبرز الصور العملية الحية التي كانت في سير الأولين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أمهات المؤمنين ومن غيرهن ممن برزن على آثارهن، ونريد من ذلك أيضاً أن نثير في نفوس النساء الغيرة المحمودة بالتنافس في مجال الخير والرغبة للتطلع إلى هذه الأمثلة السمية العلية من نساء المؤمنين، ثم لنقوم بعد ذلك بالمقارنة بين تلك الأمثلة وبين ما يموج به واقع كثير من مجتمعات المسلمين من أمثلة رديئة.