هذه صورة لهذا الصياد، فما صلتنا به؟ وهل سنتحدث عن صيد اللؤلؤ أو عن صيد السمك، أو عن صيد الطيور، أو عن أي شيء من هذه الأمور؟ ليس ذلك هو مقصدنا وغايتنا، وإنما هي تقدمة وتوطئة لما نريد أن ننبه عليه، وأن نتأمل فيه، ونربط الربط الذي ينقلنا إلى جوهر الموضوع ولبه، فنمضي مع بعض أقوال عبد القادر الجيلاني وهو يبين لنا صفات المسلم الكامل، والزاهد البصير، فيقول لنا في وصفه:(الزاهد الكامل في زهده لا يبالي من الخلق، لا يهرب منهم بل يطلبهم)، ثم يقول:(المبتدي يهرب من الفساق والعصاة، والمنتهي يطلبهم)، يعني يخرج إليهم، قال:(وكيف لا يطلبهم وكل دوائهم عنده؟!).
ثم يأتي الموضع الذي سينقلنا إلى الربط بين القضيتين فيقول:(من كملت معرفته بالله عز وجل صار دالاً عليه، يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا) فإذاً: حديثنا عنك أيها المسلم! عنك أيها العالم! عنك أيها الداعية! عنك أيها الواعظ! وكما قال بعضهم: العلماء يصطادون الخلق بشباك الحق، فأنت صياد لكنك تصيد الناس، من الفسق إلى الطاعة، من الكفر إلى الإيمان، من الغفلة إلى التذكر، فمهمتك في هذه الحياة أن تكون صياداً ماهراً، وكما أشرنا سابقاً أن للصياد صفات، ورأينا كيف تتحقق له صفة المهارة، وكيف يحظى في آخر الأمر بالثمرة التي يرجوها، فكذلك نمضي معك وأنت صياد داعية، لنرى معاً كيف ينبغي أن تصيب، وكيف ينبغي أن تأخذ ذات المنهج، وأن تسير على ذات الخطى التي أخذ بها ذلك الصياد الذي أسلفنا ذكره.