[دور الأم الفلسطينية البطولي]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من الأمور المهمة: العناية بدور الأم وتربيتها لأبنائها، ولعلي أشير هنا إشارات لا بد من ذكرها والتنبيه عليها، وهي لفت نظر إلى الأمهات العظيمات المربيات في أرض فلسطين، ما الذي أخرج لنا هذا الجيل من الشباب الصغار في مقتبل العمر يكشفون صدورهم للرصاص ومدافع الدبابات وقصف الصواريخ، وهم يبتسمون ويجددون قول أسلافنا: الله أكبر فزت ورب الكعبة؟! ثم نرى من بعد الأم وهي تقول: لا تعزوني ولكن هنئوني بشرف استشهاد أبنائي، ألم نر ذلك؟! ألم نعرف أن هذه القوة التي تواجه اليوم ألد أعدائنا وأحقرهم وأذلهم من اليهود عليهم لعائن الله إنما كان الدور العظيم بعد فضل الله عز وجل وأدوار أخرى لأولئك الأمهات؟ ألسنا نعرف أن قوة الإنجاب وكثرته في أرض فلسطين أحد الأسلحة العظيمة التي تقلق أعداء الله عز وجل، ثم يقال لنا: قللوا نسلكم، وأخرجوا نساءكم، وضيعوا أجيالكم، ومن بعد سوف تضيع كلمتكم وتذهب ريحكم.
أمثلة عظيمة نراها وتؤكد لنا هذا المعنى، ونحن وإن كنا نألم ونحزن لما يجري في أرض العراق وفي فلسطين ونتفاعل معه في الخطب، لكننا كذلك نحتاج إلى أن نقف وقفات عملية لنؤدي دورنا ونقوم بواجبنا، أحد الكتاب يقول مقالة قوية معبرة: إن دور الأم في التربية أعظم من دور الثورة، نحن نريد ثورة على الظلم لإقرار العدل، وعلى الذل للتحلي بالعز، نحن نريد ثورة نغير بها الواقع في حياتنا، وإن من أعظم أسباب هذه الثورة دون أن تكون ثورة حمراء، ودون أن تكون ثورة في مبتدئها ثورة دماء، ودون أن تكون رعونة رعناء؛ هو دور التربية، ومفتاح التغيير، ومصدر القوة، وإن أسلحة التربية في الأجيال المؤمنة أعظم وأفتك من الأسلحة الذرية وأسلحة الدمار الشامل التي يكذبون على الناس بوجودها، ويعرفون أن حقيقة قوتنا في إيماننا وإسلامنا، وتربية أجيالنا، فيحاربوننا في مكمن قوتنا، ودعك من غير ذلك من الأضاليل والأكاذيب، وإلا فلماذا هذه الدعوات من الديمقراطيات والإصلاحات وغيرها من المغالطات التي يروجونها وفق المنظور الغربي والحضارة الغربية.
وأقول: أيها الإخوة! إن هذا المعنى مهم جداً، ونحن عندما نقول ونتحدث في هذا فلسنا نتحدث بعيداً عن واقعنا، ولسنا لا نعي ما يجري حولنا، ولكننا نريد أن نكون أصحاب عمل، وقد قلنا من قبل في حديث مستفيض عن خطة الإصلاح ومنهجه في القرآن ومبدئه من قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١] وهذا الذي نتحدث عنه حديثاً مهماً مكملاً لهذا الدور العظيم الذي عبر عنه شاعر العراق الرصافي بقوله: ولم أر للخلائق من محل يهذبها كحضن الأمهات فحضن الأم مدرسة تسامت بتربية البنين أو البنات وأخلاق الوليد تقاس حسناً بأخلاق النساء الوالدات وليس ربيب عالية المزايا كمثل ربيب سافلة الصفات وليس النبت ينبت في جنان كمثل النبت ينبت في فلاة فاعلم أن هذا الابن والشاب إذا كان صالحاً فإن وراءه في الغالب أماً مربية صالحة، ولقد كان القاسم وإبراهيم يدخلان على عائشة رضي الله عنهما من التابعين، وكان أحدهما في لسانه لكنة يلحن في العربية فقالت: (قد علمت من أين فصاحة هذا وعجمة هذا، هذا ربته أمه، وذاك ربته أمه) وكانت أمه أعجمية ليست عربية فبقي أثر تربيتها إلى أن صار رجلاً عظيماً عالماً إلا أن بعض الأثر ما زال ظاهراً، ولذلك مقولة عظيمة تقول: إذا علمت رجلاً فقد علمت فرداً، وإذا علمت امرأة فقد علمت جيلاً.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ بيوتنا وأبناءنا وبناتنا من كل الشرور والمفاسد، وأن يعطينا الزوجات الراعيات، والأمهات المربيات، والبنات الحانيات.
نسأله عز وجل أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن يبصرنا بعيوب أنفسنا، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يجعلنا بكتاب الله مستمسكين، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم معتصمين، ولآثار السلف الصالح مقتفين، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم طهر قلوبنا وزك نفوسنا، وأخلص نياتنا، وحسن أقوالنا، وأصلح أعمالنا، وضاعف أجورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء.
اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، أحصهم اللهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، زلزل اللهم الأرض تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلف في صفوفهم، واجعل بأسهم بينهم، ورد كيدهم في نحرهم، واشغلهم بأنفسهم، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، ولا تبلغهم اللهم غاية، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم اشف فيهم صدور قوم مؤمنين، يا قوي يا عزيز يا متين؛ يا منتقم يا جبار يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك لطفك ورحمتك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين، والمشردين والمبعدين في أرض العراق وفي فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، ووفر أقواتهم، وأدم عزهم، ووفر أمنهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، اللهم اجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء.
اللهم إنا نسألك أن تثبت أقدامهم، وأن توحد صفوفهم، وأن تقوي شوكتهم، وأن تسدد رميتهم، وأن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العلمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير، وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله، استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون!