[الأساس الأول: الاقتباس من أمور الدنيا وأسباب المعاش]
نحن لا نقتبس أي شيء، فإن عندنا ديناً كاملاً لا نحتاج في أمر عقيدتنا ولا أمر عباداتنا ولا تشريعاتنا وأحكامنا إلى أن نقتبس من شرق أو غرب، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم شديداً في هذا الباب، ليعلم الأمة أن عندها ما يغنيها في أمر دينها، ولذلك لما رأى عمر بن الخطاب يحمل صحفاً من التوراة غضب عليه الصلاة والسلام وقال لـ عمر:(أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ والله لو كان موسى بن عمران حياً ما وسعه إلا اتباعي) فأمر عقيدتنا وأمر عباداتنا وأمر تشريعاتنا وأحكامنا لا مجال للاقتباس فيه أبداً، ولا مجال للاجتهاد مع نص، ولا مجال للأخذ من غير مصدر هذا الدين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن فيما نحتاج إليه من أمور الدنيا من أسباب المعاش والحياة، من المستجدات والاختراعات والمبتكرات فالباب في هذا واسع، فما احتجنا إليه نقتبس منه، وتاريخ الأمة عريض وواسع في هذا المجال في كل الفترات التاريخية التي مرت بها الأمة الإسلامية، سيما في عهد الدولة العباسية، وإن كان هناك نماذج وصور للاقتباسات التي كانت وبالاً على الأمة؛ لأنها خرجت عن هذا القيد، وذلك عندما أمر المأمون وغيره من خلفاء بني العباس بترجمة الكتب اليونانية وكتب الفلسفة والكلام والمنطق التي تتحدث عن الحقائق الكونية والقضايا العقدية الإلهية، حينها حصل الاضطراب والخلط والفتنة في الدين، والانصراف عن المعتقد الصحيح؛ لأن الاقتباس كان من بشر، بحيث تركنا ما أعطانا إياه رب البشر سبحانه وتعالى، فلذلك أول قيد لهذا الاقتباس حتى لا نشذ ولا نخطئ: أن لا نقتبس إلا فيما فيه حاجة دنيوية، أما الدينية فلسنا في حاجة بعد قول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:٣].