للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مفهوم القوامة الشرعية ودفع الشبه حولها]

إن القوامة هي نوع من الإدارة، ولا يمكن أن تكون هناك مؤسسة أو شركة ليس فيها شخص مسئول يكون له بعد المشاورة والمداولة الكلمة النهائية والفصل، وإلا لكانت الأمور فوضى، ولكان هناك تنازع وشقاق، مدير المؤسسة له حق الطاعة على الموظفين، فإن قالوا: ولماذا يكون له هذا الحق؟ فلم يطيعوه لاضطرب حال المؤسسة كلها، وتضرر الجميع بلا استثناء.

وكذلك شأن الأسرة إما أن تترك فوضى فلا رب لها، وهذا لا يمكن أن يكون أمراً صالحاً أو مصلحاً، وإما أن تكون القوامة للمرأة أو للرجل، وهم يعترضون أن تكون للرجل، فلو كانت للمرأة فما رأيكم ألا يتظلم الرجل أيضاً؟ ثم انظر أيضاً إلى أمور أخرى، فإن المرأة تغلبها عاطفتها، وتفقد حسن تصرفها مع غضبها، فهذه لا تصلح للإدارة مطلقاً، لا لنقص فيها، ولكن: لأن طبيعتها تصلح لأمر آخر، وقلنا: إن الحقيقة الصحيحية للمساواة هي المراعاة وليست المساواة مع اختلاف وجود الأسباب.

ثم المرأة يعتريها ما يعتري النساء من حيض وحمل ونفاس، وهذه أمور تضعفها في بدنها، وتضعفها في نفسيتها، وتضطرب حتى أحياناً في تفكيرها واهتماماتها، فماذا نصنع؟ هل نعطي للأسرة إجازة لفترة الحمل أو لفترة النفاس أو غيرها وتضطرب الأمور والأحوال؟ ثم أين خبرة المرأة في هذا الشأن الذي تتعرض فيه الأسرة لأمور كثيرة تحتاج فيها إلى خبرة بالمجتمع، ومزاولة لأعماله، ومعرفة ببعض المشكلات والمعضلات، مما لا يتوفر لها ولا يليق بها، ولا يصلح مع فطرتها وطبيعتها؟ وإذا عرفنا ذلك وعرفنا أن القوامة للرجل ليست قوامة تسلط ولا تحكم، وإنما قوامة مسئولية، فهي تكليف لا مجرد تشريف، ففيها عليه النفقة والحماية، وعليه حسن الرعاية، وأن يلبي الطلبات لما هو لازم ومحتاج إليه في شئون الأسرة والمنزل والأبناء، فليس الأمر حينئذٍ إلا نوعاً من الأسلوب الذي تمضي به الحياة على أتم وأكمل وجه فيما تتحقق به المصلحة للرجل، والمرأة على حد سواء.

ولذلك يأتون فيقولون: تشترطون على المرأة أن لا تسافر إلا بمحرم، كأنها قاصرة، كأنها لا قيمة لها، كأنها كما يقولون: لا شخصية لها تتبع الرجل.

ونقول: هذا من جهلكم وحمقكم، فإن الناس يعرفون أن الذي لا قيمة له هو الذي يذهب ويجيء دون أن يكون معه أحد، ولا ينتبه أحد لرعايته ولا للاهتمام به، أما عكس ذلك فغير ذلك، نحن نعلم مثلاً: أن المدير إذا خرج من إدارته أو ذهب في مهمة فإن المرافقين له يكونون أكثر من الموظف العادي أو المراسل الذي يراسل بين مؤسسة وأخرى، لا، ليست له من الأهمية والقيمة ما يحتاج إليه من المرافقين الذين يقدمون له الخدمات، أو الذين يحرصون على حمايته ونحو ذلك مما قد يكون في شأن أصحاب الحكم والسلطان، فإنه إذا خرج أو سافر لابد أن يكون له من يقوم برعايته وحمايته.

والمرأة لما كانت منزلتها عظيمة، وقدرها كبير، والحفاظ عليها أمر مهم في مجتمع المسلمين؛ حفظاً للأعراض، وحفظاً للأمن، وحفظاً للمجتمع والصحة والفطرة، كان شأنها أن يوظف الرجل المحرم لها ليرافقها إيناساً لها من وحشتها، وحفظاً على عرضها، وذوداً عنها، فإن السفر عرضة لأن تتعرض فيه المرأة لسرقة أو لعدوان، أو لاغتصاب، أو لغير ذلك، ونحن نعلم -والإحصاءات في ذلك كثيرة- أن نساء الغرب لا يستطعن لا أن يسافرن، بل لا يستطعن أن يسرن في الطرقات في المدن بعد دخول الليل خوفاً من الاغتصاب والاعتداء والسرقة وغير ذلك، فالله عز وجل قد أكرم المرأة ورعاها.

ومن هنا نجد أن هذه الأمور التي يظنونها قيوداً إنما هي إكراماً وإعزازاً للمرأة.

نسأل الله عز وجل أن يحفظ نساءنا، وبيوتنا، وعوراتنا، وأبناءنا، وبناتنا، اللهم إنا نسألك أن تجملنا بالتقوى، وأن تجعلنا من أهل البر والتقوى، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، ومن جندك المجاهدين، ومن ورثة جنة النعيم.

اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك أعمارنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد.

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام نائمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، وردهم إلى دينك رداً جميلاً، وخذ بنواصيهم إلى طريق الحق والسداد، وألهمهم الرشد والصواب، وألزمهم كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم ثبت خطوتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وسدد رميتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على سائر أعداء الدين، يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم استأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، وفرق كلمتهم، واجعل بأسهم بينهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين، والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى، اللهم رحمتك بالصبية اليتامى، والنسوة الثكالى، والشيوخ الركع، والأطفال الرضع، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، اللهم عجل فرجهم، وفرج كربهم، ونفس همهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم يا رب العالمين! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تدفع عن بلدنا هذا الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم اجعل عمل ولاتنا في هداك، ووفقهم لرضاك، وارزقهم بطانة صالحة تدلهم على الخير، وتحضهم عليه، وتحذرهم من المنكر وتنهاهم عنه يا سميع الدعاء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر وذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.