للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحداث الفلوجة]

لا أريد أن أعلق على كل طائفة وموقف، ولكني أستعرض، وسأنتقل إلى طائفة أخرى ومواقف أخرى، واسمحوا لي أن أكون مبتعداً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فإن هذا هو ما يحكيه واقعنا: في الوقت الذي يسهر أولئك على الطرب والغناء، أنقلكم إلى مدينة فيها سبعمائة ألف من المسلمين العرب السنة، وقد استشهد منهم في خلال أيام قليلة سبعمائة، ووقعت فيها جرائم فظيعة تسجل في سجل الجرائم ضد الإنسانية؛ وهي جرائم غير مسبوقة؛ لأن جيشاً عظيماً هائلاً للقوة العظمى يحاصر الفلوجة نحو أسبوعين، ويقصفها بالطائرات، ويرميها بالمدفعيات، ويهدم المساجد على رءوس من فيها، فيستشهد أكثر من أربعين، ويستخدم القنابل العنقودية المحرمة دولياً كما يقولون، ويواصل الحصار، ويحفر الخنادق حولها، ويضرب مؤسسات الكهرباء والماء، ويمنع الجرحى والمرضى أن يصلوا إلى المستشفيات، حتى وصف مراسل صحيفة محلية استطاع أن يدخل إلى الفلوجة في زمن يسير أثناء توقف القتال فيصف لنا هذه المشاهد فيقول: مدينة تطفوا على بركة من الدم! ظلام دامس! ثم يخبرنا أنه رأى بطولات من مدينة المساجد والمآذن، وما إن تدخل المدينة حتى تسمع من يقول: القتال في الفلوجة يعني: الدخول إلى الجنة، فيأخذك الشعور بالاطمئنان، ولحظة ذاك تدرك الفرق بين الجنة والجحيم على أرض الواقع، ولكن بشكل مخالف جداً للحقيقة، وتبرز أمامك حقائق كثيرة أهمها: إصرار الأهالي على القتال، على الرغم من إدراكهم أنهم يدفعون الثمن باهظاً.

ثم يروي كلمات لمحافظ المدينة ويقول: إن الناس هناك مصرون على الثبات، ويروي قصة امرأة أخذت جثة زوجها القتيل، ووضعتها في وسط دارها؛ لأنها لا تستطيع دفنها، ثم ضمدت جراح ابنها، وأخذت بندقيتها وخرجت للثأر من القتلة غير مبالية، ثم يقول: ما يجعلنا متمسكين بقيمنا أن الأهالي مصرون على مواجهة الاحتلال، وعدد من الأهالي كتبوا وصاياهم وسلموها إلى أئمة المساجد، ومعظمها فيها وصية الأبناء والأحفاد بمواصلة الجهاد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:٢٠٠]، وأولئك العزل وأولئك الضعفاء قد أسقطوا عشر طائرات، وقد قتلوا في الحقيقة لا في المعلن أعداداً تزيد على المئات أو تبلغ المئات، ثم مع ذلك تجد ثباتهم ويقينهم وليسوا وحدهم، فإنهم إن كان قد مرت بهم أحداث الاحتلال خلال عام فإنها قد وصلت إلى نحو أكثر من ستين عاماً في أرض فلسطين، وما زال أبطال الأقصى وما زال أشراف بيت المقدس وما زال المؤمنون هناك يرفعون رايات العز ويأبون الذل.