عندما أردت أن أجمع صوراً متفرقة لأخلص منها إلى أن هناك حرباً مقصودة هادفة مبرمجة ضد الإسلام والمسلمين؛ فإنني وجدت نفسي محاصراً بآلاف وآلاف من الوقائع والأحداث وبتقارير كثيرة، فآثرت أن أختصر وأقتصر، وأن أتيح المجال لقضية لم يسبق الحديث عنها بتفصيل، ولم نذكر فيها المآسي والصور التي لا تخطر على البال، ولا يتصورها العقل، ولا يمكن أن يرضى بها من في قلبه ذرة إنسانية، أو بقية فطرة، فضلاً عن أن يكون صاحب إسلام أو أن يدعي أنه صاحب إيمان.
تلكم هي المآسي الدامية في أرض الصومال المسلمة، لعل مما دفعني أن أسهب في هذا الجانب أنه وصلني بالأمس تقريران خطيران ميدانيان عن صور مفزعة لما يجري هناك، وعن طبيعة الاستثمار التنصيري لمآسي المسلمين؛ مما يدل على أن كل موقع تقع فيه مأساة فإن المأساة الإنسانية تهون أمام المأساة الإسلامية الدينية، ولذلك أوجز لكم الحديث في بعض الأرقام، ثم أذكر بعض المشاهد، ثم أجتزئ جزءاً من الوقت لأقرأ لكم بعض هذه التقارير، كما كتبها من شاهدوا بأم أعينهم، والذين ما يزالون في تلك المواقع ينبئوننا عن الأحوال، يستثيرون الهمم، ويحركون المشاعر.
في كينيا ثلاثمائة وخمسون ألفاً من اللاجئين الذين فروا من ويلات الحرب ومن شدة وضراوة القتال، ومن بؤس وقسوة الجفاف! وفي أثيوبيا منهم أيضاً مئات آلاف أخرى، وفي اليمن منهم عشرات الآلاف، ولك أن تتصور بماذا خرج هؤلاء؛ خرجوا بغير شيء إلا ثيابهم التي تستر عوراتهم، وتخلوا عن هذه الثياب في رحلة العناء، فإذا بهم عراة لا يجدون حتى ما يكفنون به موتاهم! وقد نفقت وهلكت نحو (٩٢%) من المواشي أبقاراً وإبلاً وأغناماً، وهي التي تُعد المصدر الأول في غذاء أولئك القوم في تلك البلد المسلمة التي نسبة المسلمين فيها (١٠٠%) من بين سائر الدول الأفريقية! ثم في هذه الرحلة المريرة، وتحت الحرب القاسية يموت نحو خمسة آلاف طفل يومياً! خمسة آلاف طفل بريء مسلم يموتون من عضة الجوع ومن قنص الرصاص ومن شدة العطش والمعاناة القاسية الرهيبة! وأيضاً: حين تجد المعسكرات التي أعدت للاجئين فإنك ترى فيها عجباً! وترى فيها أمراً غريباً! إذ بعشرات الآلاف يحشرون في الأماكن الضيقة، وليس عندهم من قوت، ولا مأوى ولا سكن، فإن مساكن هؤلاء المغرَّبين والمهجَّرين إنما هي أعواد من الخشب وبعض القش! ويقول التقرير أيضاً: والغني أو السعيد منهم من يكون عنده بعض قطع من الكرتون يسد بها الشقوق والثقوب! فعلى سبيل المثال: في منطقة يسكنها (١٢٦٠٠٠)، ونزح إليهم (٧٠٠٠٠) آخرين، هؤلاء يعيشون على (١٨) بئراً ارتوازياً لهذا العدد كله بعد أن فقدوا مصادر الرزق والقوت بهلاك أنعامهم ودوابهم! ثم أنتقل إلى بعض الصور المحددة والتي تروي بعض هذه المآسي: هذه أم تخرج بأطفالها تهاجر وتغترب، وفي أثناء هذه الرحلة المريرة يموت طفلها الأول، فتدفنه وتمضي، ثم تموت الأم، ويبقى الأبناء جياعاً ضائعين؛ لا يجدون ما يأكلونه إلا جسد أمهم، فأكلوا منه!! وهذه وقائع مكتوبة من شهود العيان الذين يرسلون التقارير، ويستنجدون ويستصرخون الإيمان في أمة ماتت فيها الهمم، ونُزعت منها الغيرة، وانشغلت بلهوها، وسارت وراء أهوائها، وعبثت بها المجون والأهواء في كل ناحية وفي كل مكان.
ولعلي أطيل في ذكر هذه الصور؛ لأننا لا نصدقها؛ ولأننا نستبعد وقوعها في زمن الحضارة التي تنفق ليس عشرات ولا مئات بل آلاف الملايين من الدولارات لأجل إطعام الكلاب والقطط في شرق الأرض وغربها! وليس ذلك في ديار الكفر فقط، بل في ديار المسلمين أيضاً! وتنفق أيضاً مئات وآلافاً من هذه الملايين على اللهو والعبث والفن الماجن والخمور والدعارة والسياحة! والمسلمون يموتون ولا من ملب ولا مجيب.
وهذه قصة أخرى: امرأة جاءت إلى هؤلاء الإخوة الذين ذهبوا للزيارة والإغاثة، وإذا بها ليس عليها حجاب، أرادوا أن ينكروا عليها فبادر زوجها وقال: لقد كفنت ابني بحجاب أمه، وليس عندها ولا عندي ما تستر به عورتها أو تغطي شعرها!! إنها حقائق ليست خيالات، فليس عند القوم ما يكفنون به موتاهم.
ولقد ذكر لي بعض الإخوة الذين قدموا من هناك: أنه استقبلهم هؤلاء اللاجئون وقالوا: لا نريد منكم طعاماً ولا شراباً، نريد أكفاناً نكرم بها موتانا، فإننا ننتظر الموت في كل لحظة وآنٍ!! ومن أفظع التقارير: أنه لكثرة الموتى ولعدم قدرة الآخرين لضعفهم وهزالهم على دفنهم يدفن الميت في حفرة لا يزيد عمقها عن ثلاثين سنتيمتراً، فإذا جاءت الرياح ظهرت الجثث، وتعفنت الأجواء، وكثرت الأمراض والأوبئة!! وقصة ثالثة: امرأة كانت تملك مائتين من البقر ومثلها من الغنم، وجدوها تسكن بين أعواد الشجر مع ثلاثة من أولادها لم تذق منذ يومين إلا قليلاً من الماء، وتقول: إنني مستعدة لأكل الجلد، ولأكل أي شيء من أجل أن أعيش!! ولعل هذا الذي ذكرته لا يُعد شيئاً مما سأتلو عليكم من بعض هذه التقارير التي وصلت بالأمس كما أشرت إليكم.