وهنا أقول: إن حديثنا اليوم عن الحقيقة الواعظة التي تعظ كل قلب فيه بقية خير، وفيه أثر إيمان، وفيه حقيقة إسلام، الحقيقة التي لا ينبغي أن يغفل عنها أحد مطلقاً، وهي أن كل حي إلى موت وأن مردنا إلى الله، وأن الوقوف بين يدي الله، وأن الحساب فيه شهود من الجلود والأيدي والأرجل:{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}[فصلت:٢١].
هذه الحقيقة نسوقها لأنفسنا أولاً، ولأولئك الذين أسرفوا على أنفسهم وعلى غيرهم في الفساد ثانياً:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}[الأنعام:٦٠ - ٦٢].
هل هناك أبلغ من حقائق القرآن؟ هذه حقيقة واضحة:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}[الأنعام:٦٠].
كل يوم تقبض نفسك وتموت موتة صغرى بنومك، فمن الذي يبعثك؟ من الذي يحييك؟ من الذي يرد إليك روحك فتنطلق؟ (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ){يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩]، يعلم ما تلفظ من كلمة، وما تنظر من نظرة، وما يخطر في عقلك من خطرة، وما يجول في قلبك من نية، وما تتحرك إليه من خطوة، وما تمد إليه يدك في حركة أو سكنة، (ويعلم ما جرحتم بالنهار)، ما النتيجة؟ سيئول الأمر إليه، وتقف وحيداً بين يديه:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر:٣٨](ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فإذا النار تلقاء وجهه؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة)، ماذا ستقول يا من يروج الفساد والإفساد في ذلك الموقف العظيم؟! ماذا ستقول يا من تنفق الأموال والملايين لأجل نشر الفسق والفجور والعري والفساد؟! ما الذي ستقوله؟ قد تقول لنا أقوالاً، قد تكتب لنا آيات، قد تمتنع عنا بما لديك من قوة أو سلطان، فماذا أنت فاعل في ذلك الموقف؟