الحمد لله أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، شرح به الصدور، وطمأن به القلوب، وهدى به البصائر، وجعلنا على بينة من أمرنا، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال، وفي كل آن، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس كافة أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، فهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به قلوباً غلفاً، وأسمع به آذاناً صماً.
وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! حديثنا موصول في موضوع: الغلو معالمه ومخاطره، ووقفتنا اليوم مع الفهم الصحيح لحقيقة الغلو، وبيان بعض صوره، وقد أسلفنا القول من قبل أنه لابد لنا أولاً من فهم وفقه حقيقة الإسلام في وسطيته واستقامته، ويسره وسماحته؛ لأن هذا هو الحد المشروع الذي إنما يعرف الغلو بتجاوزه وتعديه، والزيادة عليه أو النقص منه.