للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التدرج في الإعداد لمواجهة الأعداء]

السؤال

كيف تطالب الشباب بالاتزان ونحن نعيش في عصر تكالب علينا فيه الأعداء من كل جانب، وأعراضنا تنتهك في كل أرض، وآباؤنا وإخواننا يقتلون في كل أرض، فكيف السبيل إلى هذه الكياسة وهذا الاتزان؟!

الجواب

ما ذكر لم يحصل في عشية وضحاها، ولم يتوصل إليه في يوم وليلة، وبالتالي فإن مقاومته وتغييره من باب أولى، ولم يكن كذلك في غمضة عين ولا في لحظة سريعة من الزمن، والنبي عليه الصلاة والسلام ظل يدعو في مكة ثلاثة عشر عاماً لم تتهيأ له الفرصة ليقيم الدولة، ولا ليعلن أو ليقيم الشعائر، ومع ذلك كان ينظر إلى المدى الأبعد، وخرج من مكة فالتمس أنصاراً في الطائف فلم يجد، فهاجر إلى المدينة، وصنع ما صنع عليه الصلاة والسلام، ثم رجع فاتحاً مكة وما بعد مكة.

ولا شك أن في نفوس الشباب إحباطاً وأن ما يتعرض له المسلمون ليس بالهين، ولكنني أقول: إذا أخذنا بحماسة غير منضبطة وغير متزنة فما الذي سيحصل؟ ألسنا نريد أن نغير هذا الواقع من هزيمة إلى نصر ومن ضعف إلى قوة ومن فرقة إلى وحدة؟ إن كانت هذه الحماسة ستحقق ذلك فلنكن جميعاً كذلك، وإن كانت هذه الحماسة على صورتها التي صورناها لن تحقق هذه الغايات وستكون سبباً إلى مزيد من ذلك الضعف والهوان والهزائم فلا شك أن الحماسة نفسها -فضلاً عن العقل- تدعو إلى أن تضبط هذه العواطف، ولا ينبغي أن توأد، ولا ينبغي أن نضيق عليها بحيث ترتد إلى عكس ذلك، فتعود خنوعاً وخمولاً وركوداً إلى الأرض أو انصرافاً إلى الشهوات والملذات أو تنفيساً لتلك الطاقات في مجالات تافهة وعارضة، ولذلك نحن في امتحان صعب؛ لأننا لا نريد أن نطلق هذه الحماسة، ونريد أيضاً أن نبقي عليها، ومن هنا لابد من أن توسع دائرة استثمار هذه الحماسة، فحاسب نفسك وأصلحها، وزد علمك وأكثر عبادتك، وقو عزيمتك، وأتقن دورك ومهمتك، وادع غيرك، واعمل وتحرك حتى لا تكون طاقتك مكبوتة وحماستك موءودة، وبالتالي تخرج ولا تنفع فيك الجدوى أو تنصرف إلى غيرها.

لذلك نحن نقول: طريق الألف يبدأ من خطوة واحدة، كما قيل: من لي بمثل سيرك المدلل تمشي الهوينى وتجي في الأول وأعداؤنا لا يحاربوننا بهذه الاندفاعات فقط، وإن كنا رأيناها في هذه الصور، لكن أقول: نحتاج إلى أن ندرك هذه الحقائق، ونعرف كيف ضبطها النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة والمسلمون في كثير من فترات التاريخ التي مرت بهم، وبعضها فترات ليست بعيدة عن فتراتنا هذه، وإن كانت هذه الفترات تتصور على أنها من أشد الفترات على أمة الإسلام، لكن أقول: استطاع المسلمون بفضل من الله عز وجل أن يلتزموا التزاماً صحيحاً، وأن يُكونوا جسداً واعياً بحقيقة واقعه، ونحن في يقين جازم بأن العاقبة للمتقين، وأن النصر للمسلمين، ولكن لهذا النصر عربونه ومطالبه وواجباته ومستحقاته لابد من أن نبذلها، وإن كنا عاجزين عن أن نضبط أنفسنا أو أن نضحي بوقتنا أو بجهدنا أو بمالنا فلن نضحي بما هو وراء ذلك من أرواحنا، وليست القضية هي التضحية بالأرواح بذاتها، وإنما بما يترتب عليها من المصلحة في النكاية بالأعداء وتحقيق مصالح الإسلام والمسلمين، وهذا أمره واضح وبين، فنسأل الله عز وجل أن يعين؛ لأن المسألة فيها صعوبة شديدة.