مسلسل العداء: مربط فرسه، وقطب رحاه في (أرض فلسطين)؛ لأسباب كثيرة: أولها: أن هذه الأرض بالنسبة للمسلمين أرض مقدسه، فيها آيات تتلى، وأحاديث تروى، ولن تنسخ الآيات مهما فعل المبطلون، ولن تلغى الأحاديث مهما تآمر المتآمرون، ولن ينسلخ المؤمنون من دينهم، ولن ينزع اليقين والتسليم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلوبهم، فالقضية باقية ما بقي القرآن، وهو باق إلى قيام الساعة، والقضية باقية ما بقيت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، باقية ما بقي مسلم وطائفة مسلمه ثابتة على الحق معتصمة به، وقد قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، وفي راوية أحمد قيل:(أين هم يا رسول الله؟! قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس).
وقد جاء في الحديث الصحيح الذي أخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن ستة أمور تتوالى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وذكر منها فتح بيت المقدس؛ ليشير النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أنه امتداد لرسالته ومهمته ونبوته منذ أن أسرى الله عز وجل به إلى تلك البقاع المقدسة، ومنذ أن صلى إماماً بالرسل والأنبياء، ومنذ أن عرج به إلى السماء.
وقد سارت جيوشه صلى الله عليه وسلم وجنوده من صحبه الكرام لتتوالى وتتصل من بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
الأمر الثاني: أن الصراع في تلك الأرض المقدسة مع القوم الذين أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:٨٢]، ولن نكذب كتاب ربنا ونصدق أباطيل الكذبة الفجرة الكفرة، أو المنافقين والمداهمين المجاملين؛ فإن يقيننا بكتاب ربنا راسخ رسوخ الجبال الرواسي لا تزعزعه تلك الرياح الفارغة، ولا تلك الصيحات الكاذبة، وهذه قضية مهمة.
والأمر الثالث: أن العداء العالمي الدولي والتحالف الصليبي الصهيوني يتركز كله اليوم في هذه القضية، فتجتمع الدول والمؤسسات والمنظمات العالمية كلها، وتدار المؤتمرات، وتعقد الندوات، وتتوالى المفاوضات، وتوقع المعاهدات، وتأتي الالتزامات، وتقام العقوبات، لأي شيء أيها الإخوة؟ وفي أي موضوع؟! هل هو في قضايا أخرى من قضايا المسلمين -وإن كانت كلها عندنا عظيمة ومهمة-؟ أفترون ذلك كله يدور لأجل الشيشان -وهو جرح نازف- أو لأجل كشمير -وهو دم ينزف- أو لأجل هنا أو هناك؟ إن الصراع محوره وبؤرته وركيزته القدس، وإن سقوط العراق إنما هو طريق لاستقلال تلك القوة والسلطنة والهيمنة؛ لفرض ما تريده وتقصده وتهدف إليه وتنشده الدولة الغاصبة في أرض الإسراء، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل الأحداث القريبة تجمع حزناً مؤلماً كما تجمع مع ذلك إصراراً قوياً، وعظمة كبيرة، وشموخاً إيمانياً، واستعلاء إسلامياً، وثباتاً منهجياً، لأصحاب الحق الواضح أصحاب الإيمان الصادق أصحاب الإسلام الخالص أصحاب المبدأ النظيف الطاهر الذي لا يتلون مع دنس السياسة ولا يخضع لمعاملات الاقتصاد، واهتزاز الأموال، ولا يرهب من القوى العسكرية والسياسية وغيرها.