[المدرس ودوره في العملية التعليمية]
بالنسبة للمدرس أول نقطة ينبغي أن نذكرها: أن المدرس يتحمل في الاختيارات عبئاً أكثر من عبء الطلاب، بينما يقول الطلاب: المدرس الآن يأكل ويشرب وينام ونحن نسهر ونتعب، والمدرسون يقولون غير ذلك، وهما لا أقول: خصمان، لكن فريقان، ربما لو أتيحت فرصة مناظرات موسعة لرأينا عجباً عجاباً فيما بين الفريقين! وأحب أن أركز على العبء الملقى على المدرس، وهو كبير جداً، بل إنه في حقيقة الأمر يعطل ويعرقل العملية التعليمية، فهو يأخذ في المدارس أربعاً وعشرين حصة، وعنده إشراف على الفسحة، وريادة فصل، وتحضير -دفتر تحضير- ممل ومكرر وغير عملي، وليس له هدف، وليس وراءه ثمرة، ويعطيه مرة لزوجته لتكتب، ومرة لصديقه، ومرة يستعين بالتصوير، وأخرى يتحايل على التواريخ، فيبقي دفتر العام الذي مضى حتى يغير تاريخه من غير أن يلحظه الموجه، ثم ابتلي بهذه الواجبات التي أصبحت لازمة؛ فهو يقرأ كراريس وأوراقاً وخطوطاً وخلطاً عجيباً، ومطلوب منه أن يقرأه، وفي الغالب أنه لا يقرأه، ولذلك إذا جاء العبء أحال التصحيح إلى الطلبة، خاصة في الواجبات المعتادة، فيجيب الإجابة النموذجية، ويقول لهم: صححوا، أو يجيب الإجابة النموذجية ويناقشها معهم ثم يجعل على كل ورقة صح تشملها من أولها إلى آخرها حتى ينتهي من هذا العبء، وبالتالي يأتي إلى العملية التعليمية وهو مستهلك، فلا يكون عنده حماس، أو قدرة على العطاء والتفهيم والتركيز والإعادة، ولذلك مجرد أن يطلب منه الطالب أن يعيد الدرس تجده يدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور، وغالباً ما تكون النفسية غير مهيأة؛ نظراً لمثل هذا العبء الكبير.
أيضاً في الاختبارات العبء على المدرس كبير، فهو يحتاج أولاً: إلى وضع الأسئلة، وهنا لابد أن يسأل المدرس نفسه السؤال المهم، وهو: ما هدف الاختبار؟ ولماذا يضع الأسئلة؟ هناك تصورات: التصور الأول: يضع الأسئلة لينتقم من الطلاب، والذي سيضعها بهذه النفسية قطعاً ستكون أسئلة غير عملية وغير نافعة، خاصة في بعض الاختبارات المفتوحة التي ليس فيها لجان تصحيح، فهو يضع أسئلة ولو كانت خاطئة، وفي الجامعة قد يضعون أسئلة فيها أخطاء، ومع ذلك يبقى الطالب هو المخطئ، ويتحمل نتيجة خطأ المدرس أو الدكتور، وكما يقولون: يضرب على أم رأسه مرتين: مرة لأنه لم يعرف الإجابة، ومرة لأنه ما اعترض على خطأ المدرس.
التصور الثاني: أسئلة للتخلص، يريد أن يعمل أسئلة يجيب عنها جميع الطلاب، وينتهي من تصحيحها بسرعة، وينتهي هذا العناء الذي ينتظره ويحمل همه، فلا تكون له ثمرة ولا فائدة.
التصور الثالث، وهو المقصود المهم: أن الأسئلة مقياس تقريبي لا تحديدي: ليست الاختبارات هي التي تحدد قطعاً ويقيناً الذي فهم والذي أجاد، لكنها مقياس تقريبي جيد، ونسبته في التقويم عالية وليست متدنية، لكن قطعاً قد يخطئ الفاهم، وقد يضطرب أحياناً المذاكر، والاختبار لا يجامل ولا يراعي مثل هذا إلا عندما يكون المدرس يعرف الطالب ويعرف وضعه فيتنبه له.
الأسئلة المفروض أن تكون تشتمل في تصوري على ثلاثة أمور: أولها: أسئلة مباشرة وواضحة ليست سهلة، دائماً يقول الطلاب: هناك أسئلة سهلة، والمقصود أن يعبر عنها بأنها أسئلة واضحة ومباشرة، وهذا الوضوح والمباشرة يساعد على نيل جزء من الدرجات، وتشجيع الطالب على إجابة بقية الأسئلة.
ثانيها: الأسئلة التي تحتاج إلى نوع من الاستنباط، وشحذ الذهن، وتكون فيها بعض الفقرات غير المباشرة وليست صعبة.
ثالثها: وهو ما يكون أقل هذه الأسئلة، وفيه شيء من الدقة والقياس والاستنباط، وليس مباشراً في المنهج، بل قد يكون بعيداً عنه، وهذا لتمييز استيعاب الطالب بشكل عام، وكذلك لتمييز صاحب الذكاء أو الفطنة في مثل هذا العلم أو المادة، وبهذا التنوع تكون هناك مجالات لأن يكون الاختبار مقياساً جيداً إلى حد كبير، ففيه فرصة للضعيف أن يحصل بقدر ما حصل من هذا العلم أو هذه المادة، وأن يجتهد، ويضعف عن بعض هذه الأسئلة، وبقيتها يمكنه أن يجيب عنها.
النقطة التالية للمدرس في مسألة التصحيح: ينبغي أن يعلم الطالب أن المدرس أكثر ما يراعي في وضع الأسئلة التصحيح، فهو يضع الأسئلة، وهو يفكر في تصحيحها، فلذلك قد يجعلها منظمة، ومختصرة، أو بطريقة الصواب والخطأ ليسهل عليه التصحيح، ولذلك ينبغي للمدرس أن يراعي في أسئلته التوزيع في الدرجات، بعض المدرسين لا يراعي مصلحة الطلاب، ولا يراقب الله عز وجل، يضع على الأسئلة السهلة -مع كثرتها- درجات قليلة، ويضع على السؤال الصعب أكبر الدرجات، فيجيب الطلاب على أربعة أسئلة، والخامس الصعب يتركوه، وإذا به عليه نصف الدرجات! فهذا يفوت على الطالب النجاح أو تحصيل درجة عالية، والأفضل أن يوزع الدرجات على ورقة الأسئلة؛ حتى يساعد الطلبة على إدراك الأهم، ومحاولة اقتناص بعض هذه الدرجات، وحيازة أكبر قدر ممكن منها.
ولا شك أن عليه مراقبة الله عز وجل، والصبر والاحتمال، وأن يؤدي هذه المهمة متجرداً عن أعبائه، فلا يؤديها إذا كان متعباً فيتعجل، أو إذا كان مكرهاً فيجحف ويظلم، وينبغي عليه أن يتصور أنه في موقع هذا الطالب.
وعليه أن يتصور الفصل الكامل بين ما هو فيه وبين الطالب، ما ذنب الطالب إذا كنت أنت مرهقاً أو مجبراً على هذا التصحيح أو كانت لك ظروف خاصة؟! ينبغي أن تفصل بين هذا وذاك.