للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَحِقَهُ أَبُو حَامِدٍ الغزَالِي، وَتَفَقَّهَ بِهِ، وَنَاظره، وَكَانَ يُشغل فِي جَامِع دِمَشْق فِي الزَّاويَة الغَربيَّةِ المُلَقَّبَةِ بِالغَزَالِيَّةِ (١) .

قَالَ الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَدِمَ دِمَشْقَ سَنَة ثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَأَقَامَ بِهَا يُدَرِّسُ المَذْهَب إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَرْوِي الحَدِيْث، وَكَانَ فَقِيْهاً، إِمَاماً، زَاهِداً، عَامِلاً، لَمْ يَقْبَلْ صِلَةً مِنْ أَحَد بِدِمَشْقَ، بَلْ كَانَ يَقتَاتُ مِنْ غَلَّةٍ تُحْمَلُ إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِ نَابُلُس، فَيَخْبِزُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ قُرْصَة فِي جَانب الكَانُوْنِ (٢) .

حَكَى لَنَا نَاصر النَّجَّار - وَكَانَ يَخدمه - مِنْ زُهْده وَتَقَلُّلِه وَتَركه الشَّهوَات أَشيَاءَ عجيبَة.

قَالَ غَيْثُ بنُ عَلِيٍّ الأَرْمَنَازِيّ: سَمِعْتُ الفَقِيْه نصراً يَقُوْلُ:

دَرَسْتُ عَلَى الفَقِيْه سُلَيم الرَّازِيّ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ، مَا فَاتَنِي مِنْهَا درسٌ، وَلاَ وَجِعْتُ إِلاَّ يَوْماً وَاحِداً، وَعُوفِيت، وَسَأَلتُهُ فِي كَمِ التَّعليقَة الَّتِي صنَّفهَا؟

قَالَ: فِي نَحْوِ ثَلاَثِ مائَةِ جُزء، مَا كَتَبتُ مِنْهَا حرفاً إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وُضوء - أَوْ كَمَا قَالَ -.

قَالَ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَحكِي أَنَّ الملكَ تَاجَ الدَّوْلَة تُتُش بن أَلب آرسلاَن زَار الفَقِيْهَ نصراً يَوْماً، فَلَمْ يَقُمْ لَهُ، وَلاَ الْتَفَتَ إِلَيْهِ، وَكَذَا ابْنُه الْملك دُقَاق، فَسَأَلَهُ عَنْ أَحَلِّ الأَمْوَال الَّتِي يَتصرَّفُ فِيْهَا السُّلْطَان، قَالَ: أَحلُّهَا أَمْوَالُ الجِزْيَة، فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَرْسَل إِلَيْهِ بِمَبْلَغ، وَقَالَ: هَذَا مِنَ الجِزْيَة، فَفَرِّقْهُ عَلَى الأَصْحَاب.

فَلَمْ يَقبلْه، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ بِنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا ذهب الرَّسُولُ،


(١) ويقال لها: المدرسة الغزالية. انظر التعريف بها في " الدارس ": ١ / ٩٧ و٥٥٧، و٢ / ١٠٣.
(٢) " عيون التواريخ ": ١٣ / ٧٨.