صار الخطباء يأتون بخطب إما أنها مملة، وإما أن فيها أدعية مثلًا غير مناسبة ما نعرف، المهم: أنه لم ينف الخطبة مطلقًا، وإنما نفى الخطبة التي تشبه خطبة هؤلاء، وعلى هذا فلا يكون في هذا الحديث دليل على أن الرسول لم يخطب.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: مشروعية الخروج لصلاة الاستسقاء لقوله: "خرج".
الثاني: أنه ينبغي أن يكون على هذه الصفة متواضعًا متبذلًا متخشعًا مترسلًا متضرعًا، هيئة الفقير المسكين المستجدي، لا هيئة الفرح الذي يلبس الثياب الجميلة ويتطيب وما أشبه ذلك.
ومن فوائد الحديث: مشروعية صلاة الركعتين في الاستسقاء، وأن تكون على صفة صلاة العيد؛ لقوله:"فصلى ركعتين كما يصلي في العيد"، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلى، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يصلي ركعتين كالعادة، ولكن الصواب ما دل عليه الحديث، وأن بعض أهل العلم إلى أنه يصلي ركعتين كالعادة، ولكن الصواب ما دل عليه الحديث، وأن الألفاظ التي- تأتينا إن شاء الله- في الأحاديث مطلقة- مثل:"صلى ركعتين"- تحمل على هذا المقيد.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي أن تكون الخطبة مختصرة ملخصة مفيدة لقوله: "لم يخطب كخطبتكم هذه".
ومنها: مشروعية الخطبة، كيف ذلك مع أن ابن عباس نفى؟ لا، ابن عباس نفى الصفة، ونفي الأخص يستلزم وجود الأعم. هذه قاعدة مفيدة؛ ولهذا قلنا: إن قول الله تعالى: {لا تدركه الأبصار}[الأنعام: ١٠٣]. تدل على أن الله يرى؛ لأن نفي الأخص يقتضي ثبوت الأعم.
فعلى هذا نقول: هذا يدل على ثبوت الخطبة، لكن ليست كخطبة هؤلاء.
ومن فوائد الحديث: أن التغير- تغير الناس- قد ظهر منذ عهد الصحابة لقوله:"كخطبتكم هذه".
ومن فوائد الحديث: أنه يجب على أهل العلم أن يبينوا للناس ما خالفوا به السنة لقوله: "لم يخطب كخطبتكم هذه"؛ لأنه إذا لم يبين أهل العلم ما خالف فيه الناس السنة بقيت السنة مجهولة ثم يتوسع الأمر حتى تزول سنن كثيرة بسبب سكوت الناس، لكن هاهنا مسألة وهي أن بعض الناس يخذل أهل العلم في بيان الحق يقول: لماذا تبين والناس غير مستفيدين؟ هذا حرام، لا يجوز هذا الكلام؛ لأن هذا هو التخذيل عن الحق، والعلماء إذا بينوا الحق لو لم يكن من ذلك إلا أن الناس يعرفون أنهم على باطل سواء نفع أو لم ينفع لأن العلماء إذا سكتوا عما عليه الناس من مخالفة الحق ماذا يظن الناس؟ يظنون أن هذا صواب حق فيستمدون عليه ويستمرئونه لكن إذا رأوا الإنكار عرفوا أنهم ليسوا على حق، وهذا لو لم يكن من ذلك إلا هذه الفائدة لكان كافيا، فلا تستهن ببيان الحق أبدًا.