١٣٨٩ - وعنه رضيه الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يشربن أحدكم قائمًا». أخرجه مسلم.
قوله:"لا يشربن" هذا نهي مؤكد بنون التوكيد، وقوله:"قائمًا" حال من فاعل "يشرب"، يعني: حال كونه قائمًا، إذن فليشرب قاعدًا ومضطجعًا لا بأس، لكن الإنسان له ثلاثة أحوال: إما قائم أو قاعد أو مضطجع، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا وورد في حديث جابر عند مسلم، زجر أن يشرب الرجل قائمًا، وهذا يدل على التحريم، ولكن قد وردت أحاديث تدل على أن النهي ليس للتحريم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب من ماء زمزم قائمًا، وثبت عنه أنه قام في الليل إلى شن معلق فشرب منه، قائمًا ومعلوم أن المحرم لا يستباح بمثل هذا الأمر السهل إذ إن المحرم لا تبيحه إلا الضرورة؛ لقوله تعالى:{وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} ولهذا كان الصحيح أن الشرب قائمًا مكروه لكن كراهته شديدة وليس محرمًا بمعنى أن يأثم الإنسان به.
فيستفاد من هذا الحديث: النهي عن الشرب قائمًا وقد علمتم الآن أن النهي هنا للكراهة فإن كان ثم حاجة فلا بأس مثل أن تكون الرادة مثلاً رفيعة وليس هناك إناء تتمكن من الشرب به وأنت قاعد فهنا لا بأس أن تشرب قائمًا للحاجة، ومثل ذلك إذا كان المكان ضيقًا وفيه زحام، كما يوجد في مواسم الحج، والجلوس ربما يؤذيك أو يؤذي غيرك فلا بأس أيضًا أن تشرب قائمًا، وهذا موجود بكثرة في المسجد الحرام.
ومن فوائد الحديث: أن الشريعة الإسلامية ليست مقتصرة على العبادات كما زعمه بعضهم وقال: إن الشريعة الإسلامية تنظم الصلة بين الله والعبد، ولا تنظم الصلة بين العبد وبين الناس ولا تنظم حال الإنسان في أكله وشربه، فنقول: إن الشريعة الإسلامية شاملة لكل شيء، كل شيء يحتاج إليه الناس لمعاشهم ومعادهم فإن الشريعة بينته وفصلته، قال الله تعالى:{ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء}[النحل: ٨٩]. وهل بينت الشريعة آداب اللبس والخلع وغير ذلك؟ نقول: نعم، بينت هذا وسيأتي ذلك في الحديث القادم إن شاء الله - تعالى -.