أحصر بمرض فإنه لا يتحلل، بل يبقى على إحرامه حتى يشفى ثم ينهي نسكه، فلو أن أحدًا مرض وقد أحرم بالعمرة فإننا نقول: لا تتحلل، بل عليك أن تبقى محرمًا حتى يشفيك الله عز وجل، ثم تكمل العمرة، وكذلك لو كسر الإنسان، فمثلًا إنسان أحرم بالعمرة ثم صار عليه حادث وانكسر ويعرف أنه لن يتمكن من قضاء أو من إتمام العمرة إلا بعد شهرين أو ثلاثة، فإنه يبقى على هذا القول - قول من يخصون الحصر بالعدو -بمعنى أنه يبقى محرمًا إلى أن يبرأ.
والقول في الثاني في المسألة: أن الحصر عام، وأن كل إنسان حصر عن إتمام نسكه فإنه يحل منه إن شاء لإطلاق الآية:{فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى}، وأما تفريع حكم يختص ببعض أفراد هذا المطلق فإنه لا يدل على التخصيص وكذلك السبب لا يدل على التخصيص؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم على فرض أن الحصر بغير العدو لا تتناوله الآية بلفظها، فإنها تتناوله بمعناها، بجامع أن في حصر العدو منعًا من إتمام النسك، وكذلك في حصر المرض والكسر وما أشبه ذلك، فيلحق به من باب القياس على فرض أن اللفظ لا يشمله، وهذا القول هو الراجح؛ أي: أن الحصر عام، فإذا حصر الإنسان قلنا له: انحر هديًا واحلق رأسك.
وفي هذا: دليل على وجوب حلق الرأس ووجوب الهدي، أما الهدي فإنه بنص القرآن {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} وأما الحلق فإنه بالسنة: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلقوا"، وقد يقول قائل: إن في القرآن إشارة إليه وهو قوله: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلَّه}[البقرة: ١٩٦]. فإن هذا يدل على أن الحلق مشروع لكن الوجوب يثبت بالسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك، وعلى هذا فيكون الهدي واجبًا وكذلك الحلق، فإن قصر أجزأه، فإن خالف الترتيب فالظاهر أن هذا ليس بجائز لقوله:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلَّه}، ولم يرد ترخيص في التنكيس إلا في أنساك يوم العيد.
[التحلل الأصغر]
٧٣٣ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رميتم وحلقتم؛ فقد حلَّ لكم الطيب وكل شيءٍ إلا النساء". رواه أحمد، وأبو داود، وفي إسناده ضعف.
هذا الحديث وإن كان في إسناده ضعف يؤيده الحديث الثابت في الصحيحين كما سنذكر إن شاء الله.
يقول:"إذا رميتم" يعني: رمي جمرة العقبة يوم العيد، "وحلقتم"، وكذلك لو قصر الإنسان فهو بدل عن الحلق.