أن يصومها الإنسان من أولها وإلا صار صائمًا نصف يوم أو ربع يوم حسب ما ينوي، وكذلك الأيام المعينة، كل معين لا بد أن ينويه قبل الفجر، أما النفل المطلق فلا بأس كما سيأتي على خلاف في ذلك أيضًا.
[حكم قطع الصوم]
٦٢٦ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"دخل عليَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيءٌ؟ قلنا: لا. قال: فإنِّي إذن صائمٌ، ثمَّ أتانا يومًا آخر، فقلنا: أهدي لنا حيسٌ، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائمًا فأكل". رواه مسلمٌ.
كلمة "هل" أداة استفهام، والجملة بعدها مكوَّنة من مبتدأ وخبر، والمبتدأ هنا كلمة "شيء"، و"شيء" نكرة من أنكر النكرات، فكيف صح أن يبتدأ بالنكرة؟ أولًا: لتقدم الخبر، والثاني: لتقدم الاستفهام.
وقوله:"شيء" هذا عام أريد به الخاص، والمراد به: شيء يؤكل، بدليل قوله:"قلنا: لا. قال: فإني إذن صائم"، وقوله:"فإني إذن""إذن" ظرف للزمن الحاضر، وهناك "إذن"، و"إذا"، و"إذ" هذه الأدوات الثلاثة تقاسمت الزمان.
فـ"إذ" لما مضى، و"إذا" للمستقبل، و"إذن" للحاضر، إذن فقوله:"إني إذن" أي: من الآن صائم، والصيام في اللغة- كما سبق-: الإمساك، وفي الشرع: التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وإذا جاء اللفظ في لسان الشارع وله معنى لغوي ومعنى شرعي وجب حمله على الحقيقة الشرعية على المعنى الشرعي، وإذا جاء اللفظ في كلام أهل اللغة وله معنيان شرعي ولغوي حمل على المعنى اللغوي، وإذا جاء الكلام وله معنيان لغوي فصيح وعرفي وشرعي وتكلم به إنسان باللسان العرفي فإنه يحمل على العرفي.
إذن كل كلام يحمل على ما تعارفه المتكلم به، إذن لا يصح أن نحمل قوله:"صائم" على الصيام اللغوي، قال: فإني إذن ممسك عن الأكل، بل نقول: إنه صيام شرعي؛ لأن هذا معناه في اللسان الشرعي،
"ثم أتانا يومًا آخر فقلنا: أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائمًا فأكل"، قوله:"أتانا يومًا آخر" يعني: غير اليوم الأول، فقلنا:"أهدي لنا حيسٌ"، الحيس: هو تمر يخلط بشيع من الأقط والسمن ويؤكل، موجود إلى الآن في عرفنا، لكنه في عرفنا يخلط بشيء من الدقيق بدلًا عن الأقط، ولعل البادية يخلطونه بالأقط، إنما الحاضرة عندنا يخلطونه بالدقيق، ويسمى عندنا (قشد)، والظاهرة أن أصلها (قشدة).