للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن جلوسهن عليه حلال؛ لأن هذا نوع من الاستعمال فهو كالثوب، ومن نظر إلى المعنى الذي من أجله أبيح للنساء الحرير قال: إنه لا يجوز، لأنه لا فرق، كيف نقول: هذا فراش للمرأة حرير وهذا فراش للرجل قطن، وكلاهما سواء ولهذا الاحتياط ألا تستعمل المرأة الحرير للجلوس.

[مقار ما يباح من الحرير]

٤٩٩ - وعن عمر رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين، أو ثلاثٍ، أو أربعٍ)) متَّفقٌ عليه، واللَّفظ لمسلم.

((النهي)) هو طلب الكف على سبيل الاستعلاء، فقولنا: ((طلب)) خرج به ما ليس بطلب كالأخبار، وقولنا: ((الكف)) خرج به الأمر؛ لأن الأمر طلب الفعل، وقولنا: ((على سبيل الاستعلاء)) خرج به الدعاء، والالتماس، والإرشاد، وما أشبه ذلك، ((على سبيل الاستعلاء)) بمعنى: أن الناهي يشعر بنفسه أنه أعلى من المنهي، فالأب مثلًا إذا قال لابنه: لا تفعل كذا وكذا، هذا استعلاء؛ لأنه يشعر أنه فوقك، لكن الابن لو قال لأبيه: يا أبت لا تضربني، هذا نهي؟ لا، هذا سؤال، لأن كلمة دعاء تسعر بأن هذا دعاء عبادة، ولكن لو قلنا: سؤال كفى.

يقول: ((نهر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير)) هل كلمة ((نهى)) توازن قوله: ((لا تلبسوه) نقول: هذا هو الأصل، لأنه إذا قال الصحابي العارف بلغة العرب: نهى، فإن عنده علمًا يقينًا بأن الرسول قال: ((لا تلبسوا)) أو كلمة نحوها، لا يقال: لعل الصحابي فهم أنه نهي وليس بنهي كما ادّعاه بعض الأصوليين وقال: إن قول الصحابي: ((نهى)) ليس صريحًا في النهي، وجوابنا على هذا أن نقول: إن الصحابي عالم باللسان العربي، ويعرف مدلوله، فإذا قال الصحابي: ((نهى)) فهو كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا)) ولا فرق.

قوله: ((عن لبس الحرير)) هذا عام سواء كان ثوبًا أو سروالًا، أو غترة، أو غير ذلك، ويعم النساء والرجال، لكن النساء سيأتي- إن شاء الله- ما يدل على التخصيص.

قال: ((إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع))، هل هذا على سبيل الشك، أو على سبيل التنويع؟ هذا على سبيل التنويع، وليس الشك، ولهذا كأنه يقول: إلا ما كان على أصبعين، وإما على ثلاث، وإمّا على أربع، والتنويع الذي نسميه أحيانًا للتخيير هذا وارد في اللغة العربية ووارد أيضًا في النصوص الشرعية، قال الله تعالى: {ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ} [البقرة: ١٩٦]. فـ ((أو)) هذه للتنويع، إذن يجوز إلى أربع، وهل يجوزك إلى خمس؟ لا، ودون الأصبع جائز من باب أولى.

وقوله: ((إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع)) هنا يقتضي أن المعدود مؤنث، والأصبع كما سبق لنا مؤنثة، يقول أهل العلم- رحمهم الله-: إن هذا المراد به ما كان في موضع واحد مثل لو كان الجيب في الثوب موضع فيه أسلاك من الحرير، إذا وضعت أصابعك الأربع عليها، وإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>