في هذا الحديث: دليل على تفاضل الشهداء، وأن منهم الخير، ومنهم من دون ذلك.
ومن فوائده: أن الذي يشهد قبل أن يسأل هو خير الشهداء، وصورة ذلك: أن يسمع الإنسان بخصومة بين زيد وعمرو وعنده شهادة لزيد على عمرو، فلما سمع بالخصومة ذهب إلى مكان القضاء وقال: عندي شهادة لزيد على عمرو، هذا شهد قبل أن يستشهد وقبل أن يسأل فهو خير الشهداء.
ولكن سيأتي حديث ظاهرة خلاف ذلك، وهو قوله في الحديث الآتي -حديث عمران بن حصين-: "يشهدون ولا يستشهدون"، وفي رواية:"يشهدون قبل أن يستشهدوا"، وسيأتي الكلام عليها بعد أن نتكلم على حديث عمران ونذكر الأوجه في الجمع.
[خير القرون الثلاثة الأولى]
١٣٤١ - وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن خيركم قرني، ثم الذين بلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن». متفق عليه.
"إن خبركم" الخطاب للأمة عموما، وإن كان الذي أمامه هو الصحابة الموجودة في عهده، وقوله:"قرني" ما المراد بالقرن؟ ذكروا فيه أقوالا: الأول: أن القرن معتبر بالزمن واختلفوا فيه من عشر سنوات إلى مائة وعشرين سنة، يعني: بعضهم بقول القرن عشر سنوات، وبعضهم يقول: القرن مائة وعشرون سنة، ثم ما بينهم من عقود العشرات محل خلاف وهذا خلاف واسع.
في هذا الحديث: أن المراد به أهل القرن، فمتى يكون قرن الصحابة ثم التابعين ثم تابعيهم؟ يقول شيخ الإسلام: القرن معتبر بأكثر أهله، فإذا كان أكثر الموجودين من الصحابة فهذا قرن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا أقل وأكثره من التابعين فهذا قرن التابعين، وإذا كان انقرض أكثرهم وبقيت قلة مع تابعي التابعين فهذا قرن تابعي التابعين، وعلى هذا فالقرن والعصر على حد سواء وهذا أقرب، إذا خير الناس قرن الرسول، أي: الصحابة، وينقرض الفرن بموت أكثرهم، "ثم الذين يلونهم" وهو التابعون، "ثم الذين يلونهم" وهو تابعو التابعين، إذن ذكر ثلاثة قرون، "ثم يكون قوم"، "يكون" هنا تامة وعلى هذا فنعرب "قوم" على أنها فاعل، أي: يوجد.
"قوم يشهدون ولا يستشهدون"، "يشهدون" يؤدون الشهادة من غير أن يستشهدوا، وفي رواية أصرح من هذا:"يشهدون قبل أن يستشهدوا" يعني: قبل أن تطلب منهم الشهادة على خلاف في هذا المعنى.