ما يطهر الآن يحتاج إلى وقت، ولكن الرسول - عليه الصلاة والسلام- أراد أن يبادروا في تطهيره فأمر أن يصب عليه ماء.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأرواث نجسة؛ لأن ابن مسعود أتى بروثة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إنها نجسة"، ولم يبين عبد الله بن مسعود أنها روثة حمار أو روثة بعير، فيدل على أن جميع الأرواث نجسة، وجميع الأبوال نجسة، وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله أن جميع الأبوال نجسة ولو مما يؤكل، وجميع الأرواث نجسة ولو مما يؤكل، ولكن هذا القول ضعيف، فقد دلت السنة على طهارة بول ما يؤكل وروثه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، ولم يأمرهم بالتنزه منها؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أنصلي في مرابض الغنم؟ قال:"نعم". ومعلوم أن مرابضها لا تخلو من بول أو روث، فدل هذا على أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر؛ إذن يجب أن نحمل قوله:"روثة" على روثة حمار؛ لأن روث الحمار نجس وبوله نجس.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إنه ألقى الروثة ولم يوبخ عبد الله بن مسعود، ولم يغضب ويدع أمره مرة أخرى، بل قال:"ائتني بغيرها".
[النهي عن الاستجمار بعظم أو روث]
٩٤ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بعظم أو روث، وقال: إنهما لا يطهران". رواه الدارقطني وصححه.
قوله: نهى أن يستنجى بعظم أو روث" ما المراد بالعظم هنا؟ المراد: جميع العظام؛ لأن العظم إن كان من مذكاة فقد لوثه على الجن، وإن كان من غير مذكاة فهو نجس، وكذلك يقال في الروث: إن كان طاهرا فهو علف بهائم الجن، وإن كان نجسا فالنجس لا يطهر، وقال: "إنهما لا يطهران" أي: العظم والروث لا يطهران، وجه ذلك: أن النجس منهما لا يطهر، هو نجس فكيف يطهر، والطاهر منهما لا يطهر؛ لأنه لا يحصل الإنقاء التام به، لكن إذا صحت اللفظة وهي: "إنهما لا يطهران" فينبغي أن يحمل العظم والروث على العظم النجس، وذلك أن العظم الطاهر إذا استوى في ذلك واستجمر به إنسان فلا وجه لكونه لا يطهر، صحيح أنه حرام عليه لكن الحرام شيء، والتطهير شيء آخر، فيقال لمن استنجى أو استجمر بشيء محرم: إنه آثم، والمحل يطهر؛ لأنه من نجاسة، فإذا زالت بأي مزيل كفى.