يعني: لا يرد عليها الصبغ بل الخيوط مصبوغة من الأصل وهذه الثياب كأنها- والله أعلم- ثياب بذلة لا ثياب زينة فلهذا استثناها النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ولا تكتحل" والكحل يكون في العين وظاهر النهي لا تكتحل لا في الليل ولا في النهار ولا للزينة ولا للدواء لا تكتحل، وقوله:"ولا تمس طيبًا" أي: لا تمسه استعمالًا: لا تستعمله سواء مسته أو عن طريق الميل جعلته في ثيابها مثلًا المهم ألا تستعمله؛ لأن كلمة "طيبًا" تعم كل طيب، لكن النهي عن مسه يتناول كل شيء "إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار"، والقسط نوع من الطيب قيل: إنه البخور تتبخر به إذا طهرت، وقوله:"نبذة" وهي الشيء القليل، وذلك لحاجتها الماسة إلى استعمال هذا الطيب، فرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الحاجة والضرورة؛ ولأنه يزول لأنه دخان يتبخر.
ولأبي داود والنسائي من الزيادة:"ولا تختصب" أي: تنقش يديها أو رجليها بالخضاب حنة أو غيرها، وللنسائي "ولا تمتشط" أي: ترجل شعرها بالمشط، لماذا؟ لأن هذا كله من التجمل.
[حكم التطيب والحناء في الحداد]
١٠٦٨ - وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت:"جعلت على عيني صبرًا، بعد أن توفِّي أبو سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا باللَّيل، وانزعيه بالنَّهار، ولا تمتشطي بالطِّيب ولا بالحنَّاء، فإنَّه خضابٌ. قلت: بأيِّ شيءٍ أمتشط؟ قال: بالسِّدر". رواه أبو داود، والنَّسائيُّ، وإسناده حسنٌ.
أبو سلمة رضي الله عنه كان ابن عم أم سلمة وكانت تحبه ويحبها ولما توفي كانت قد سمعت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة فقال:"اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها" أن الله يأجره على مصيبته ويخلف له خيرًا منها، فقالت ذلك عند موت أبي سلمة ولكنها تقول في نفسها: من خير من أبي سلمة؟ ! ليست تنكر أنها تجد خيرًا لا، لأنها موقنة لكنها تفكر من سيكون خيرًا من أبي سلمة، وما انقضت عدتها حتى خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فكان خيرًا من أبي سلمة، ثم إن أبي سلمة رضي الله عنه دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد شخص بصره أي: قد توفي وانفتح فأغمضه وقال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأفسخ له في قبره، ونوِّر له فيه، واخلفه في عقبه"، خمس دعوات تزن الدنيا كلها، فلما كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ضج ناس من أهله وعرفوا أنه مات، وجدنا من هذه الخمس شيئًا وقع وهو أن الله خلفه في عقبه حيث جعل عقبه يتربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم والبقية إلى الله لكن نرجو أن الله أجابها- سبحانه وتعالى- تقول