الفعلية؛ لأن الكل حق، واحتمال الخصوصية غير وارد، واحتمال النسيان غير وارد، واحتمال سبب آخر غير وارد؛ لأن الأصل التشريع في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به، ثم إنه لا حاجة إلى أن نقول بتقديم القول إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن، فإذا كان ممكنا وجب العمل بالحديثين جميعا؛ لأنك لو قلت: هذا الفعل لا يخصص ألغيت سنة، ولو قلت: هذا الفعل يخصص إذا كان في البنيان لم تلغ سنة؛ إذن القول الراجح: أن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مخصص لعموم حديث أبي أيوب.
بقي أن يقال: هل يقاس عليه الاستقبال؟
الجواب: لا، لا يقال؛ لأن من شرط القياس تساوي الأصل والفرع، والتساوي هنا لا يوجد، ويدل لهذا أن حديث سلمان في النهي عن الاستقبال دون الاستدبار مما يدل على أنه الاستقبال أشنع، وإذا كان أشنع فإنه لا يمكن أن يقاس على ما هو أهون منه.
فإن قال قائل: إذا كان الرجل قد بنى مراحيضه متجهة إلى القبلة فماذا يصنع؟
نقول: يجب عليه أن ينقضها ويخلفها، فإن قال: أنا أنحرف. نقول: أنت إذا استطعت أن تنحرف فربما يخلفك من لا ينحرف، فتكون أنت السبب في انتهاك حرمة الكعبة، وعلى هذا فلابد لمن بنى مراحيضه متجهة إلى القبلة أن ينقضها ويوجهها إلى جهة أخرى.
ومن فوائد هذا الحديث: ما سبق من تعظيم القبلة واحترامها.
[ستر العورة أثناء قضاء الحاجة]
٩١ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى الغائط فليستتر". رواه أبو داود.
أضف هذا إلى حديث المغيرة السابق، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خذ الإداوة فانطلق حتى توارى عني". أضف هذه السنة القولية إلى السنة الفعلية السابقة.
قوله - عليه الصلاة والسلام-: "من أتى الغائط" ماذا يريد بالغائط؟ يريد به: المكان المطمئن من الأرض؛ لأنه هو الذي يؤتى إليه، لكن هذا الغائط - أعني: المكان المنخفض من الأرض- لا ينتابه الناس إلا لأجل قضاء الحاجة، وقوله:"فليستتر" اللام هنا للأمر، والأمر يحتمل الوجوب، ويحتمل الاستحباب، والفاء في قوله:"فليستتر" رابطة للجواب؛ لأن الجواب إذا اقترن بلام الأمر وجب أن يقرن بالفاء.