بحجرين كما فعل بالجارية وهو نصٌّ صريح في الموضوع ودليل آخر أن الله سبحانه سمى قتل القاتل قصاصًا والقصاص لابد أن يكون مماثلًا لما اقتص به فيه؛ لأنه قصاص، وأصله من قصَّ الأثر إذا تتبعه وإذا كان كذلك فإن تمام القصاص أن يفعل بالجاني كما فعل وأما قول من قال إنه يقتل بالسيف لحديث ورد في ذلك- لا قود إلا بسيف- فإنه لو صح الحديث لقلنا به ولكنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيفعل بالجاني كما فعل إلا إذا كان الأداة التي قتل بها محرمة لعينها فإنها لا تستعمل كما لو قتله بإسقائه الخمر فإننا لا نقتله بإسقاء الخمر، ولكن هل نقتله بالسيف أو نقتله بشراب يتأذى به حتى يموت وليس بخمر؟ الثاني أقرب إلى القصاص والأول له وجهة نظر لأنه لما تعذر القصاص شرعًا عدلنا إلى الأسهل وهو القتل بالسيف وكذلك لو قتله بفعل الفاحشة تلوط بغلام صغير حتى أهلكه عمدًا وهو يعرف أن هذا العمل يهلكه فهنا لا نقتله بمثل ما قتل لأن هذا محرم لعينه.
ومن فوائد الحديث: أن الرجل يقتل بالمرأة وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي وهو رجل بالجارية وهي امرأة.
[جناية الصغير والمجنون]
١١٢٠ - وعن عمران بن حصين رضي الله عنه:"أنَّ غلامًا لأناس فقراء قطع أذن غلاٍم لأناٍس أغنياء، فأتوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لهم شيئًا". رواه أحمد والثَّلاثة بإسناٍد صحيٍح.
الغلام يطلق على الصغير الذي لم يبلغ "لأناس فقراء" أي: معوذين والفقراء جمع فقير والفقير هو خالي اليد من المال، وسمِّي بذلك لموافقته للاشتقاق الأكبر للقفر وهي الأرض الخالية من النبات فالفقير أو الفقر هو الخلو وقوله:"قطع أذن غلام لأناس أغنياء" نقول في الغلام كما قلنا في الغلام الأول وقوله: "قطع" ظاهره أن القطع كان عمدًا لأنه لم يقيد والأصل في الأفعال إذا لم تقيد أن تكون صادرة عن قصد وإرادة، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لهم شيئًا لم يجعل للأغنياء شيئًا على الفقراء ولم يبن في الحديث سبب هذا الحكم أنه لم يجعل للأغنياء شيئًا فقيل لأن هذا الصبي كان يدافع عن نفسه، والمدافع عن نفسه لا يلزمه شيء، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لهؤلاء الأغنياء شيئًا لأن الدية في هذه الصورة تجب على العاقلة فإن العاقلة تحمل ما زاد عن ثلث الدية والدية هنا على العاقلة لتعذر القصاص من الغلام لكونه غير بالغ فإذا تعذر القصاص وجبت الدية إذا وجبت الدية فإنه يكون مجراها مجرى الخطأ تجب على العاقلة والعاقلة الآن فقراء لذلك أسقط النبي صلى الله عليه وسلم عنهم الدية وهل تسقط