والأدلة فيه محتملة أن يكون ذلك على سبيل التعبد أو على سبيل الراحة والتيسير فأيهما نأخذ
به؟ قد يقول قائل: إن الأصل المشروعية، وأن النزول في هذا سنَّة، وقد يقول قائل: لا، الأصل عدم المشروعية؛ لأن العبادة لابد أن نعلم أن الشارع شرعه، وهنا ليس عندنا علم؛ لأن الحج بالاتفاق انتهى بعد رمي جمرة العقبة، وهذا المنزل لا نعلم أنه مكان نسك حتى نقول: إن النزول به سنة، وما نزوله في هذا المنزل إلا كنزوله قبل أن يخرج إلى الحج بالأبطح، فهل أنتم تقولون مثلًا: إن نزوله في الأبطح قبل الخروج إلى منى سنة، أو لأنه منزل اختاره لا على سبيل التعبد؟ ليس بسنة، لكن فعل على سبيل أنه نزح عن مكة للتوسعة على من أتى حاجّاً أو معتمرًا في ذلك الوقت، على كل حال: المسألة محتملة أن يكون سنة وألا يكون سنة، والمسألة الآن إنما الخلاف فيها خلاف نظري، لماذا؟ لأنه الآن لا يمكن النزول في الأبطح انتهى الموضوع، لكن لو فرض أن مكة عادت إلى حالتها الأولى يكون النزاع حينئذ له فائدة عملية أما الآن فإن النزاع ما هو إلا مسألة نظرية.
[حكم طواف الوداع في الحج والعمرة]
٧٤٣ - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال:"أمر النَّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلَّا أنَّه خفَّف عن الحائض". متَّفق عليه.
قال:"أمر الناس"، هذه الصيغة قال علما المصطلح: إن لها حكم الرفع؛ لأن الصحابي إذا قال:"أمر" فإن الآمر هو الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه ليس فوق مرتبة الصحابة إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون هو الآمر، بل إن هذا أحد الألفاظ في الحديث، وإلا ففيه لفظ آخر صريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر، وقال ابن عباس:"كان الناس ينفرون من كل وجه"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، وهذا مرفوع صريح إلى رسول الله صلى الله علي وسلم، على كل حال قوله:"أمر الناس"، كلمة "الناس" هذه لفظ عام لكن يراد به الخاص، من هذا الخاص؟ هم الذين ينفرون من الحج لقول ابن عباس: كان الناس ينفرون من كل وجه، وقيل: هم الحجاج سواء نفروا أم لم ينفروا، وعلى هذا يكون الطواف للوداع لا للسفر، ولكن لانتهاء أعمال الحج وأن الإنسان عليه أن يودِّع سواء سافر أم لم يسافر، كما أنه إذا ودّع فإنه لو بقي شهرين أو ثلاثة في مكة لا يعيد الطواف، ولكن جمهور أهل العلم على أن المراد بالناس هنا: النافرون من الحج لقول ابن عباس: "كان الناس ينفرون من كل وجه"، ولا ينفر أحد في وقت الحج إلا من كان حاجًّا هذا هو الغالب.