للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحريم الغش في البيع]

٧٨٣ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ رسول اله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة من طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطَّعام؟ قال: أصابته السَّماء يا رسول الله. فقال: أفلا جعلته فوق الطَّعام؛ كي يراه النَّاس؟ من غشَّ فليس منِّي". رواه مسلم.

"صبرة" أصل هذه المادة "الصاد والباء والراء" تدل على الحبس، ومنه الصبر، ومنه قُتل صبرًا، وأمثلتها كثيرة، فهذه المادة (ص ب ر) تدل على الحبس، والطعام المحبوس يعني: المجموع، فمعنى "صبرة" أي: مجموع من طعام، مرّ على هذه الكومة من الطعام فأدخل يده فيها، الفاعل هو النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، أدخل يده في هذه الصُّبرة فنالت أصابعه بللًا، يعني: أصابت بللًا، وإدخال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يده في هذه الصبرة يحتمل أنه للاستخبار والاستعلام، ويحتمل أنه شم فيها رائحة الرطوبة أو غير ذلك، المهم أننا نعلم أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يدخل يده إلا لسبب.

يقول: "فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ "، "ما" هنا استفهامية والمراد بالاستفهام الإنكار، ينكر عليه كأنه يقول: لماذا تصنع هذا الشيء، فقال: "أصابته السماء"، "السماء" يعني: المطر، والمطر يطلق عليه السماء في اللغة العربية، قال الشاعر: [الوافر]

إذا نزل السماء بغير قوم***رعيناه وإن كانوا غضابا

أي: المطر، فالمراد بالسماء: المطر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ "، الاستفهام للإرشاد يعني: أرشده إلى أن يجعله فوق الطعام، وعلل ذلك بقوله: "ليراه الناس" فيعرفوا أن فيه عيبًا، ثم قال: "من غش فليس مني".

الحديث واضح معناه لكن فيه فوائد كثيرة منها: جواز بيع الطعام صبرة -يعني: كومة- من غير معرفة لقدره كيلًا أو وزنًا؛ لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أقرّ ذلك، ولو كان حرامًا لم يقره، فهل يدخل في ذلك غيره من المرئيات؛ يعني: بحيث أن أبيع عليك قطيع هذا الغنم بدون معرفة لعّده وأن أشتري منك السلعة بهذه الرُّزمة من الدراهم بدون عدّ؟ ذهب بعض العلماء إلى الجواز وقال: إن هذا، وإن كان لا يعلم بالعدّ أو بالوزن يعني: لا يعلم بالتقدير فإنه: يعلم بالمشاهدة، ولكن هذا فيه نظر؛ لأن الذي يعلم بالمشاهدة إما أن يكون الغرر فيه يسيرًا كالكومة من الطعام. والقطيع من الغنم والكيس من البرّ فالأمر في هذا قريب، وإنما الذي يكون فيه الغرر كثيرًا والخطر جسيمًا مثل الرزمة من الدراهم، وإذا قدرنا أنها من فئة خمسمائة كم يكون الفرق فيما نقص عن تقديرك ورقة أو ورقتان؟ الفرق كبير، فالصحيح في هذه المسألة أن الجزاف يجوز

<<  <  ج: ص:  >  >>