فائدة أخرى وهي: مخاطبة الإنسان بمثل ما خاطب به الغير، وهذا يسميها أهل البلاغة: المقابلة. فهنا الرسول قال:"إن الماء لا يجنب" كل يعلم أن الماء لا يجنب، لكن ما أراد الرسول رفع الجنابة عن الماء؛ لأن هذا معلوم، لكن أراد أن يخاطب المرأة بمثل ما خاطبت به.
خلاصة ما سبق لنا في تطهر المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة: أن ذلك على سبيل الأولوية، وأن الذي يخاطب به الرجل مع أهله، وأن الأفضل أن يغتسلا جميعا، وأيضا ليس فيه دليل على أن الماء إذا تطهر به الرجل بعد المرأة أو العكس أن الطهارة لا ترتفع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين ذلك، ومثل هذا لو كان شريعة لبينه الرسول ٠ عليه الصلاة والسلام-.
[ولوغ الكلب]
٨ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب".
يقول العلماء: المفتوحة: اسم لما يحصل به الشيء، والمضمومة: هي نفس فعل الشيء وعلى هذا؛ فالطهور: هو الماء الذي يتطهر به، والطهور: هي الطهارة نفسها، السحور: هو ما يتسحر به من تمر أو غيره، والسحور: بالضم هو أكل ذلك السحور.
"طهور إناء أحدكم" الإناء معروف هو الوعاء الذي يستعمل في أكل أو شرب أو غيره إذا ولغ فيه الكلب. "ولغ" الولوغ: هو الشرب بأطراف اللسان، والكلب والهر يشربان بألسنتهما؛ أي: أنه يدلي لسانه في الماء ثم يرفعه كأنهما يلحس الماء لحسا، هذا هو الولوغ، وفي لفظ:"إذا شرب الكلب في إناء أحدكم".
وقوله:"في إناء أحدكم" هذا للبيان وليست الإضافة للتخصيص؛ يعني: أنه لو شرب في إناء لغيره، فالحكم واحد لكن هذا من باب البيان أن يغسله سبع مرات.
"أن يغسله" هذه مصدرية؛ أعني "أن" داخلة على الفعل، والحرف المصدري إذا دخل على الفعل، فإن الفعل يؤول بالمصدر، فعلى هذا يكون المعنى: غسله سبع مرات، فما إعرابها حينئذ؟ خبر ل"طهور"، "أن" المصدرية الداخلة على الفعل تارة تكون مبتدأ وتارة تكون خبرا، ففي قوله تعالى:{وأن تصوموا خير لكم}[البقرة: ١٨٤]. هي مبتدأ، وفي هذا الحديث هي خبر.
"أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" يعني: أولى هذه السبع بالتراب، ولكن كيف يكون أولاهن بالتراب؟ له طريقان:
الطريق الأول: أن تغسله أولا بالماء ثم تذر التراب عليه.