زكاة، فإذا كان هذا الإحتمال فإن الحكم الأول لا يتعين، لأنه من المعروف أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فلو استدللت بهذا الحديث على جواز الأعيان غير الثابتة لقال لك خصمك -الذي يقول لا يجوز-: هذا لا دليل فيه، لأن خالداً لم يوقف وقفاً إنما احتبسها احتباساً لغوياً أي: جعلها في الجهاد في سبيل الله على إنها زكاة لأن السياق قد يؤيد ذلك حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة فقال: إن خالداً قد أدى صدقته بجعلها في سبيل الله، وحينئذ لا يتم الاستدلال، ولكن يقال في حكم هذه المسألة - أعنى وقف الأعيان غير الثابتة- يقال: إن الأصل في التصرف الصحة حتى يقوم دليل على المنع، ولا دليل على المنع، فإن هذه الأشياء مثل الدرع والعتاد يمكن الانتفاع بها إلا بذهاب عينها فهذه لا يصح وقفها، وإن قدر أن أحداً أوقفها فهى صدقة، فلو قال شخص: وقفت هذا الخبز على الفقراء لا يصح، ويكون صدقة، وبناء على ذلك لو أراد أن يبيع هذا الخبز الذي أوقفه على الفقراء لجاز، لأننا نقول: إن الصدقة لا تلزم إلا بتسليمها للمتصدق عليه.
على كل حال: هذه المسألة مرت علينا في باب الوقف في الفقه، وذكرنا خلاف العلماء وأن بعضهم استثنى الماء وقال: إنه يصح وقف الماء، وإن كان لا ينتفع إلا بإتلافه بخلاف الطعام، وأن من العلماء من أجاز وقف الطعام، وهذا القول هو الصحيح.
****
[١٨ - باب الهبة والعمرى والرقبى]
الهبة: مشتقة من هبوب الريح لأنها تمر دون مقابل، وهي: التبرع بتمليك المال بلا عوض لمنفعة المعطى وذلك أن التبرع بلا عوض قد يراد به التقرب إلى الله وقد يراد به التودد إلى المعطى يسمى هدية، وما يراد به مجرد نفع المعطى بقطع النظر عن الموادة والتقرب إلى الله يسمى هبة، وتشترك الثلاثة في أنها تبرع بدون عوض، والأصل في الهبة الجواز كما انه الأصل في جميع العقود، وإذا عرفت في جميع العقود الجواز، فاعلم أنه متى ادعى مدع أن هذا العقد حرام فعليه الدليل، لأن استصحاب الأصل دليل شرعي.
وأما العمرى والرقبى فهي الهبة المقيدة بالعمر، وسيأتي بيان أوصافها. الهبة المقيدة بالعمر تسمى عمرى وتسمى رقبى، أما كونها تسمى عمرى فواضح لأنها مشتقة من العمر، وأما كونها