ربما أن هذا الرجل أخبر بعد أن فعل بأن هذا حرام فقال:"هلكت". نقول: نعم، هذا الاحتمال وارد، ولكن الأصل أخذ الكلام على ظاهره، وأن الرجل علم أنه هالك قبل أن يخبر؛ لأن الإخبار وارد على حاله والأصل عدمه، وعلى هذا فنقول: ليس فيه دليل على أن من جامع وهو جاهل فعليه الكفارة، بل الجماع مع الجهل كالأكل مع الجهل وكسائر المحظورات مع الجهل فإنه يعذر فيها.
حكم الصائم إذا أصبح جنبًا:
٦٤٤ - وعن عائشة وأمِّ سلمة رضي الله عنهما:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا من جماعٍ، ثمَّ يغتسل ويصوم". متَّفقٌ عليه.
- وزاد مسلمٌ في حديث أمِّ سلمة:"ولا يقضي".
قولها:"كان يصبح" ذكر أهل العلم أن "كان" تفيد الاستمرار لا دائمًا، بل غالبًا إذا كان خبرها فعلًا مضارعًا، ويدل على أنها لا تفيد الاستمرار دائمًا أن الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم تجدهم يقولون: كان يقرأ في صلاته كذا، والآخر يقول: كان يقرأ كذا وكذا، مثل: القراءة في صلاة الجمعة.
وقولها:"يصبح جنبًا من جماع" هل نقول: إن قولها: "من جماع" من باب التوكيد أو من باب الاحتراز؟ الاحتراز؛ لأنه قد يباشر ويكون جنبًا بالمباشرة. الاحتلام ممتنع في حق الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا من خصائصه، وقولها:"من جماع"، "من" هذه سببية، أي: بسبب الجماع، "ثم يغتسل ويصوم"، ومعنى قولها:"ويصوم" أي: يستمر في صومه؛ لأن الصوم يكون من قبيل طلوع الفجر، لكن معناها: ثم يصوم؛ أي: ثم يتم صومه ولا يعد بذلك مفسدًا، ثم قالت:"ولا يقضي"، وهذا النفي في حديث أم سلمة لا يحتاج إليه لكن ذكر على سبيل التوكيد؛ وذلك لأن السكوت عن القضاء دليل على عدمه.
في هذا الحديث دليل على أنه: يجوز للإنسان أن يصبح جنبًا وهو صائم ولا حرج عليه في ذلك، مثل: أن يجامع زوجته قبيل الفجر أو قبل الفجر ثم لا يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فلا بأس بذلك، وهذا الحكم دلّ عليه قوله تعالى:{فالئن بشروهنَّ وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتَّى يتبيَّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثمَّ أتمُّوا الصِّيام إلى الَّيل}[البقرة: ١٨٧]. ووجه الدلالة من الآية: أن الله أباح لنا مباشرة النساء، والأكل، والشُّرب إلى طلوع الفجر، وهذا يستلزم أن يكون الإنسان مجامعًا إلى آخر لحظة من الليل، وإذا كان كذلك فلا بد أن يطلع عليه الفجر وهو لم يغتسل، وهذا يسميه العلماء من باب دلالة الإشارة.