قديمًا في مجلة من غير هذه البلاد أن شابًّا دخل على أمه في الساعة الواحدة ليلًا وهو سكران فراودها عن نفسها وأبت عليه، فأخذ السكين وقال: إن لم تفعلي فسأنتحر فأدركتها الشفقة فمكنته من نفسها ثم انصرف وذهب إلى غرفة نومه، وفي الصباح أحس بشيء فأتى إلى أمه، وقال: ماذا فعلت البارحة؟ قالت: لم تفعل شيئًا، فأصر عليها فأخبرته، فأخذ دلوًا من البنزين أو الغاز وذهب إلى الحمام وصبها على نفسه، ثم أحرق نفسه فصار هذا فعل جنايات شرب الخمر والزنا بأمه وقتل النفس وأشياء كثيرة تذكر عن السكارى، ولهذا صارت تسمى أمّ الخبائث ومفتاح كل شر، تبين الآن أنها حرام، وماذا يجب على الإمام أن يعامل من شرب المسكر؟ بينه في الحديث الآتي:
[عقوبة شارب الخمر]
١١٩١ - عن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه:"أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أتي برجلٍ قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكرٍ، فلمَّا كان عمر استشار النَّاس، فقال عبد الرَّحمن بن عوفٍ: أخفُّ الحدود ثمانون، فأمر به عمر". متَّفقٌ عليه.
هذا رجل ولم يذكر اسمه ولا حاجة إلى تعيين اسمه؛ لأن المقصود هو الحكم، أما كون الفاعل فلانًا أو فلانًا هذا لا يهمنا، وقوله:"شرب الخمر" سبق معنى الخمر، "فجلده" يعني: أمر بجلده، ولهذا قام الصحابة يجلدونه، وقوله:"نحو أربعين"، كلمة "نحو" تدل على أنها ليست حدًّا مؤكدًا، إذ لو كانت حدًّا مؤكدًا القال: جلده أربعين، قال:"وفعله أبو بكر" يعني: أنه جلد في الخمر نحو أربعين.
"فلما كان عمر استشار الناس" أي: طلب منهم المشورة، والمشورة: هي إبداء الرأي في الأمور المشكلة، وكان من عادة عمر رضي الله عنه على ما عنده من الإلهام الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:"إن يكن فيكم تحدثون فعمر"، كان رضي الله عنه لا يستقل برأيه يستشير الصحابة وله في ذلك مقامات كثيرة، استشار الصحابة؛ لأن الناس كثر فيهم شرب الخمر بواسطة ما أنعم الله عليهم به من الفتوح واختلاط الأنباط بهم، فكثر فيهم شرب الخمر، فاستشار الصحابة ماذا يصنع، فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، ويعنى بذلك: حد القذف لقول الله تعالى: {والَّذين يرمون المحصنات ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً}[النور: ٤]. فأمر به عمر يعني أمر بحد القذف أن يجلد الشارب، فزادت العقوبة نحو الصعف أو أكثر، فنفذه عمر رضي الله عنه بعد أن استشار الصحابة - رضي الله عنهم-.