-أعلم أن هذا الحديث يرد على أولئك الأقوام الذين إذا نهيتهم عن معصية قالوا التقوى هاهنا وأشاروا إلى صدورهم، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) فعل ذلك وأشار إلى صدره فنقول لهم: لو كان ما ها هنا متقيا لاتقى الظاهر لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: «إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله» فساد الظاهر يدل على فساد الباطن، وأما صلاح الظاهر فلا يدل على صلاح الباطن لأنه قد يقع هذا من المنافق يصلح ظاهره ولكن باطنه خبيث.
[التحذير من حب الدنيا]
١٤١٠ - وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض». أخرجه البخاري. «تعس» أي: هلك وخاب وخسر، عبد الدينار، الدينار: هو السكة المضروبة من الذهب، والدرهم: السكة المضروربة من الفضة، «والقطيفة»: الفراش، ومعنى عبدها فسره النبي (صلى الله عليه وسلم) باللازم فقال: «إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض» فلهذا صار عبداً لها لأن هذه الأشياء ملكته يرضى بحصولها ويغضب بفواتها، فصار عبداً ذليلاً لها، هذا من وجه، من وجه آخر أن هذه الأشياء ثلاثة، وقد جاء في حديث آخر أربعة هذه الأشياء ملكت قلبه واستولت عليه حتى كانت هي فكره وعقله وإرادته، وهذا هو حقيقة العبودية من وجهين: الوجه الأول: أنه قد ذل لها بحيث يكون رضاه وغضبه تبعاً لحصولها أو عدمه، ثانيا: أنها ملكت قلبه بحيث تكون هي فكرة وتفكيره وعقله وحركاته، لا يسعى إلا لها ولا يتوقف عن السعي إلا لها، وليس المعنى: أن الرجل ينصب الدينار ويسجد لها، لا، إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يرد هذا. ففي هذا الحديث: دليل على أن من كانت همته الدنيا يرضى لحصولها ويغضب لفواتها فإنه خاسر ويشهد لهذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المنافقون: ٩]. يظن أن رابح إذا ربح ديناراً أو درهماً ألهاه عن ذكر الله، ولكنه في الحقيقة خاسر {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}. وفي هذا الحديث: دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يخرج الدنيا من قلبه قبل أن تفجأه منيته، حتى لا يكون عبداً ذليلاً لها.