ومن فوائد الحديث: تحريم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
ومن فوائده: أن الهلاك يكون حسيًا بالجسد ومعنويًا بالعمل، لأنه إذا كانت نزلت هذه الآية في هؤلاء الذين أرادوا أن يكفوا أيديهم عن المساعدة في القتال فهذا هلاك معنوي بالعمل وليس بالجسد أما قوله تعالى:{ولا تقتلوا أنفسكم}[النساء: ٢٩]، فهو نهي عن قتل النفس جسديًا لكن يصح أن يكون حتى هذه الآية تدل على تحريم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة.
[إتلاف أموال المحاربين]
١٢٢٧ - وعن ابن عمر (رضي الله عنها) قال: "حرق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نخل بني النضير، وقطع".
"بنو النضير": إحدى القبائل الثلاث اليهودية التي عاهدت النبي (صلى الله عليه وسلم) حين قدم المدينة ولكن كل هذه الطوائف خانت، وهم: بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة، لما حاصر النبي (صلى الله عليه وسلم) بني النضير وخرج المسلمون قبل أن يخرجوا قطع نخلهم وحرقها بالنار إذلالاً لهم وحملاً على الاستسلام أو الخروج، وقد كانوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين كما في سورة الحشر "وقطع" يعني: أنه حرق البعض وقطع البعض الآخر فحصل من ذلك تشويه لسمعه المسلمين، وقالوا: ها هو محمد ينهي عن إضاعة ثم يحرق النخيل ويقطعها وهذه إضاعة مال فأنزل الله تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله}[الحشر: ٥].
يعني: أن الله هو الذي أذن لنا وإذا أذن الله بشيء صار حلالاً حتى وإن كان جنسه حرامًا فإنه يكون حلالاً، أرأيتم السجود لغير لله ألم يكن شركًا؟ بلى، لكن لما استكبر عنه من أمر به- أي: بأن يسجد لغير الله- صار هذا الذي استكبر كافرًا، فإن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس، قتل الأولاد من كبائر الذنوب ولما أمر الله به خليله إبراهيم صار قربه من أفضل القرب فقطع النخيل أو إحراق النخيل إضاعة مال لا شك، لكن إذا أذن الله به صار قربه، فالله تعالى أذن لنبيه بأن يحرق النخيل ويقطعه ثم قال:{وليخزي الفاسقين} هذه فائدة عظيمة فخزي الفاسقين أمر مطلوب للشرع حتى وإن ضاع به المال فبين الله سبحانه أن الله أباح له أن يفعل وأن من فوائده: إذلال الفاسقين، يعني: الكافرين.
فيستفاد من هذا الحديث: جواز قطع نخيل العدو وجواز حرقه.
فإن قيل: إن هذا إفساد مال.
قلنا: نعم، هو إفساد مال لكن لمصلحة أهم، وهي إذلال الكفار ونصر المؤمنين.