للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم سقوط الجماعة عن الأعمى]

أما الحديث الثاني: أن رجلًا جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رجل أعمي وليس لي قائد يقودني إلي المسجد، فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم" فهو إنما يعني: أنه قال: لا تأت، فلما ولي دعاه فقال: "هل تسمع النداء؟ " قال: نعم، قال: "فأجب" هذا الرجل أعمى وليس له قائد يقوده إلي المسجد ومع هذا لم يرخص له النبي صلي الله عليه وسلم أن يصلى في بيته، بل قال: "أجب"، و (أجب) فعل أمر، والأصل في الأمر الوجوب، وبهذا علم أن قوله تعالي: {ليس علي الأعمى حرج} [النور: ٦١]. ليس علي سبيل العموم، بل ليس عليه حرج فيما لا يمكنه فعله مع العمى، وأما ما يمكنه فعله مع العمى فإنه عليه حرج في تركه، فالعلة التي هي العمى إنما تكون مؤثرة فيما إذا كان لا يمكنه فعله مع وجود العمى.

فيستفاد من هذا الحديث: أن صلاة الجماعة فرض عين وليس فرض كفاية، ووجه ذلك: أنها لو كانت فرض كفاية لكانت تغني عن مجيء هذا الرجل ولكان قد أكتفي بقيامها بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

ويستفاد من هذا الحديث: أن صلاة الجماعة لا تسقط عن الأعمى لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أجب"، وهل تسقط عن المبصر؟ لا، هي في حقه من باب أولي.

ويستفاد منه: أنه إذا لم يسمع النداء فلا يجب عليه الحضور، وهي المراد: سماعه المحقق، أو بحيث تكون في مكان يسمعه لولا المانع، يعني: لنفرض أن المسجد قريب منك لكن لكثرة الأصوات والجلبة والحركات لا تسمع، فهل نقول: إنه تسقط عنه الجماعة؟ الجواب: لا، فالمراد إذا كان منه بحيث يسمعه وجب عليه الحضور، ولهذا لو كان أصم لا يسمع وكان جارًا للمسجد فلا تسقط عنه الجماعة؛ لأن العبرة أن يكون قريبًا من المسجد بحيث يسمع النداء فإن سمعهم عن بعد فظاهر الحديث أنه يجب عليه أن يجيبه حتى ولو شق عليه ذلك هذا الحضور، ولكن الظاهر: أنه إذا كان سمعه إياه بواسطة الآلة كمكبر الصوت اليوم- فهو يسمع الإنسان النداء ولو كان في أقصي ما يكون-، وعليه فالظاهر: أنه ليس بواجب إذا كان يشق عليه فمن تمسك بظاهر اللفظ أوجب الحضور عليه ولو كان بعيدًا إذا سمعه بمكبر الصوت، ومن قال: إن العبرة بالنعمة، وأنه بحيث يسمعه إذا كان بالصوت المعتاد قال: إنه إذا كان بعيدًا يشق عليه فإنه لا يجب عليه الحضور، ولكن علي كل حال إذا سمع الإنسان النداء كما في المدن الكبيرة فإنه يسمعه في مسجده ويكون حوله مسجد آخر، فإذا فرضنا أنه سمع النداء في المسجد البعيد وأما مسجده القريب فلم يؤذن، قلنا: يجب عليك أن تحضر إلي مسجدك القريب، ولو أذن مؤذن مسجد لسمعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>